للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْقُنُوت عَن قُتَيْبَة بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الدُّعَاء عَن مُحَمَّد بن رمح بِهِ، وَرَوَاهُ غير وَاحِد فَجعله من مُسْند عبد الله بن عَمْرو ابْن الْعَاصِ مِنْهُم: عَمْرو بن الْحَارِث، خَالف اللَّيْث فَجعله من مُسْند عبد الله بن عَمْرو، وَلَفظه: (عَن أبي الْخَيْر أَنه سمع عبد الله ابْن عَمْرو يَقُول: إِن أَبَا بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) هَكَذَا رَوَاهُ ابْن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث. وَأما مُقْتَضى رِوَايَة اللَّيْث بن سعيد عَن يزِيد ابْن أبي حبيب عَن أبي الْخَيْر عَن عبد الله بن عَمْرو عَن أبي بكر إِلَى آخِره: أَن الحَدِيث من مُسْند أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وأوضح من ذَلِك رِوَايَة أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ عَن اللَّيْث، فَإِن لَفظه: عَن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله ... أخرجه الْبَزَّار من طَرِيقه، وَلَا يقْدَح هَذَا الِاخْتِلَاف فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث. وَقد أخرج البُخَارِيّ طَرِيق عَمْرو معلقَة فِي الدَّعْوَات، وموصولة فِي التَّوْحِيد عَن يحيى بن سلمَان عَن عَمْرو، وَكَذَا أخرج مُسلم الطَّرِيقَيْنِ طَرِيق اللَّيْث وَطَرِيق ابْن وهب، وَزَاد مَعَ عَمْرو بن الْحَارِث رجلا مُبْهما، وَبَين ابْن خُزَيْمَة فِي رِوَايَته أَنه: عبد الله بن لَهِيعَة.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ادعو بِهِ) ، جملَة فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا صفة لقَوْله: (دَعَاهُ) الَّذِي هُوَ مَنْصُوب على أَنه مفعول ثَان لقَوْله: (عَلمنِي) . قَوْله: (فِي صَلَاتي) ، ظَاهره وَعُمُوم جَمِيع الصَّلَاة، وَلَكِن المُرَاد فِي حَالَة الْقعُود بعد التَّشَهُّد قبل الْإِسْلَام، كَمَا حققنا هَكَذَا فِيمَا مضى، وَقد قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: لَعَلَّه يتَرَجَّح كَونه فِيمَا بعد التَّشَهُّد لظُهُور الْعِنَايَة بتعليم دُعَاء مَخْصُوص فِي هَذَا الْمحل، ونازعه بَعضهم فَقَالَ: الأولى الْجمع بَينهمَا فِي المحلين الْمَذْكُورين أَي: السُّجُود وَالتَّشَهُّد. قلت: لَا دَلِيل لَهُ على دَعْوَى الْأَوْلَوِيَّة: بل الدَّلِيل الصَّرِيح قَامَ على أَن مَحَله فِي الجلسة، وَقد مضى بَيَانه فِي أول الْبَاب الَّذِي قبله. قَوْله: (ظلمت نَفسِي) يَعْنِي بإتيان مَا يُوجب الْعقُوبَة. قَوْله: (ظلما كثيرا) بالثاء الْمُثَلَّثَة، ويروى بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة مُسلم. وَقَالَ النَّوَوِيّ: فَيَنْبَغِي إِن يَقُول: ظلما كَبِيرا كثيرا. قَوْله: (وَلَا يغْفر الذُّنُوب إلاّ أَنْت) جملَة مُعْتَرضَة بَين قَوْله: (ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا) وَبَين قَوْله: (فَاغْفِر لي مغْفرَة) . وَفَائِدَة هَذِه الْجُمْلَة الْإِشَارَة إِلَى الْإِقْرَار بِأَن الله هُوَ الَّذِي يغْفر الذُّنُوب، وَلَيْسَ ذَلِك لغيره. وَفِي الْحَقِيقَة: هُوَ إِقْرَار أَيْضا بالوحدانية، لِأَن مَن صفته غفران الذُّنُوب هُوَ الْمَوْصُوف بالوحدانية، والتنوين فِي قَوْله: (مغْفرَة) يدل على أَنه غفران لَا يكتنه كنهه. قَوْله: (من عنْدك) إِشَارَة إِلَى مزِيد ذَلِك التَّعْظِيم، لِأَن مَا يكون من عِنْده لَا يُحِيط بِهِ وصف الواصفين. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: هُوَ طلب مغْفرَة متفضل بهَا لَا يقتضيها سَبَب من جِهَة العَبْد من عمل صَالح وَغَيره، وَحَاصِله: هَب لي الْمَغْفِرَة وَإِن لم أكن أَهلا لَهَا بعملي، وكمل الْكَلَام وختمه بقوله: (وارحمني إِنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم) . وَفِي هَاتين الصفتين مُقَابلَة حَسَنَة لِأَن قَوْله: (الغفور) مُقَابل لقَوْله: (اغْفِر لي) وَقَوله: (الرَّحِيم) مُقَابل لقَوْله: (ارْحَمْنِي) ، وَلنَا أَن نقُول: فِيهِ لف وَنشر مُرَتّب.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: طلب التَّعْلِيم من الْعَالم فِي كل مَا فِيهِ خير، خُصُوصا الدَّعْوَات الَّتِي فِيهَا جَوَامِع الْكَلم. وَفِيه: الِاعْتِرَاف بالتقصير وَنسبَة الظُّلم إِلَى نَفسه. وَفِيه: الِاعْتِرَاف بِأَن الله سُبْحَانَهُ هُوَ المتفضل الْمُعْطِي من عِنْده رَحْمَة على عباده من غير مُقَابلَة عمل حسن. وَفِيه: اسْتِحْبَاب قِرَاءَة الْأَدْعِيَة فِي آخر الصَّلَاة من الدَّعْوَات المأثورة أَو المشابهة لألفاظ الْقُرْآن. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَت الشَّافِعِيَّة: يجوز الدُّعَاء فِي الصَّلَاة بِمَا شَاءَ من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة مَا لم يكن إِثْمًا قَالَ ابْن عمر: لأدعو فِي صَلَاتي حَتَّى بشعير حماري وملح بَيْتِي. انْتهى. وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى أَنه لَا يَدْعُو إلاّ بالأدعية المأثورة، أَو بِمَا يشبه أَلْفَاظ الْقُرْآن، لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن صَلَاتنَا هَذِه لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن) ، وَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم.

١٥٠ - (بابُ مَا يُتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ ولَيْسَ بِوَاجِبٍ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يتَخَيَّر الْمُصَلِّي من الدُّعَاء بعد فَرَاغه من التَّشَهُّد، يَعْنِي: قِرَاءَة التَّحِيَّات، وَالْحَال أَنه لَيْسَ بِوَاجِب. أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن حَدِيث الْبَاب الَّذِي فِيهِ الْأَمر وَهُوَ قَوْله: (ثمَّ ليتخير من الدُّعَاء أعجبه إِلَيْهِ) لَيْسَ للْوُجُوب

<<  <  ج: ص:  >  >>