للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَن ينْقل حكم الْوُجُوه إِلَى حكم الْقُلُوب.

وَاعْلَم أَن أهل السّنة اتَّفقُوا على أَن الله تَعَالَى يَصح أَن يُرى بِمَعْنى: أَنه ينْكَشف لِعِبَادِهِ وَيظْهر لَهُم بِحَيْثُ تكون نِسْبَة ذَلِك الانكشاف إِلَى ذَاته الْمَخْصُوصَة كنسبة الإبصار إِلَى هَذِه المبصرات المادية، لكنه يكون مُجَردا عَن ارتسام صُورَة المرئي، وَعَن اتِّصَال الشعاع بالمرئي، وَعَن الْمُحَاذَاة والجهة وَالْمَكَان، خلافًا للمعتزلة فِي الرُّؤْيَة مُطلقًا، وللمشبهة والكرامية فِي خلوها عَن المواجهة وَالْمَكَان.

احتجت الْمُعْتَزلَة فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِوُجُوه: الأول: بقوله تَعَالَى: {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار} (الْأَنْعَام: ١٠٣) . وَالْجَوَاب عَنهُ: إِن معنى الْإِدْرَاك هَهُنَا الْإِحَاطَة، وَنحن نقُول أَيْضا: إِن الْإِحَاطَة ممتنعة. وَقَالَ ابْن بطال: الْآيَة مَخْصُوصَة بِالسنةِ. قلت: فِيهِ نظر، وَالْأولَى مَا قُلْنَا. الثَّانِي: بقوله تَعَالَى: {لن تراني} (الْأَعْرَاف: ١٤٣) . فَإِن: لن، نفي للتأييد بِدَلِيل قَوْله: {قل لن تتبعونا} (الْفَتْح: ١٥) . فَإِذا ثَبت عدم الرُّؤْيَة فِي حق مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، ثَبت فِي حق غَيره أَيْضا لانعقاد الْإِجْمَاع على عدم الْفرق، وَالْجَوَاب عَنهُ: إِنَّا لَا نسلم أَن: لن، تدل على التأييد بِدَلِيل قَوْله: {لن يَتَمَنَّوْهُ أبدا} (الْبَقَرَة: ٩٥) . مَعَ أَنهم يتمنونه فِي الْآخِرَة. الثَّالِث: بقوله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إلاّ وَحيا أَو من وَرَاء حجاب أَو يُرْسل رَسُولا} (الشورى: ٥١) . الْآيَة، فَإِن الْآيَة دلّت على أَن كل من يتَكَلَّم الله تَعَالَى مَعَه، فَإِنَّهُ لَا يرَاهُ، فَإِذن ثَبت عدم الرُّؤْيَة فِي غير وَقت الْكَلَام ضَرُورَة أَنه لَا قَائِل بِالْفَصْلِ، وَالْجَوَاب: أَن الْوَحْي كَلَام يسمع بالسرعة وَلَيْسَ فِيهِ دلَالَة تدل على كَون الْمُتَكَلّم محجوبا عَن نظر السَّامع.

وَفِيه: أَن الصَّلَاة أفضل الْأَعْمَال لما فِيهَا من السُّجُود، وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أقرب مَا يكون العَبْد من ربه إِذا سجد) ، وَفِيه: فَضِيلَة السُّجُود، وَالْبَاب مترجم بذلك. وَفِيه: بَيَان كرم أكْرم الأكرمين ولطفه وفضله الْوَاسِع. وَفِيه: أَن الصِّرَاط حق، وَالْجنَّة حق، وَالنَّار حق، والحشر حق، والنشر حق، وَالسُّؤَال حق.

١٣٠ - (بابٌ يُبْدِي ضَبْعَيْهِ وَيُجَافِي فِي السُّجُودِ)

أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: يُبْدِي الْمُصَلِّي، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: من الإبداء، وَهُوَ الْإِظْهَار، وَفِي الْمغرب: ابداء الضبعين: تفريجهما. وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : ويبدي ضبعيه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وأبدِ ضبعيك) ويروى: (ابدد) من الإبداد وَهُوَ: الْمَدّ قلت: هَذَا الحَدِيث لم يرو هَكَذَا مَرْفُوعا، وَقد بَيناهُ فِي (شرحنا للهداية) قَوْله: ويروى (وأبدد) ، لَيْسَ لَهُ أصل وَلَا وجود فِي كتب الحَدِيث. قَوْله: (ضبعيه) ، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة تَثْنِيَة: ضبع، وَقيل: يجوز فِي الْبَاء الضَّم أَيْضا، والضبع الْعَضُد، وَقيل: ضبع الرجل وَسطه وبطنه، وَقيل: وسط الْعَضُد من دَاخل، وَقيل: هِيَ لحْمَة تَحت الْإِبِط. قَوْله: (ويجافي) ، مَفْعُوله مَحْذُوف أَي: يُجَافِي بَطْنه، أَي: يباعده، وثلاثيه: جفى، يُقَال: جفى السرج عَن ظهر الْفرس، وأجفيته أَنا إِذا رفعته، ويجافي جنبه عَن الْفراش أَي: يباعد. قَالَ تَعَالَى: {تتجافي جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} (السَّجْدَة: ١٦) . أَي: تتباعد.

وإعلم أَن هَذَا الْبَاب، وَالْبَاب الَّذِي بعده، قد ذكر هُنَا فِي كثير من النّسخ، وسقطا فِي بَعْضهَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي وَغَيره: لِأَنَّهُمَا ذكرا مرّة قبل: بَاب اسْتِقْبَال الْقبْلَة قلت: لم يذكر هُنَاكَ إلاّ قَوْله: بَاب يُبْدِي ضبعيه ويجافي جَنْبَيْهِ فِي السُّجُود، وَأما الْبَاب الثَّانِي، فَلم يذكر هُنَاكَ بترجمة، فَلذَلِك قيل: وَالصَّوَاب إِثْبَاتهَا هَهُنَا.

٨٠٧ - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثني بَكْرُ بنُ مُضَرَ عنْ جَعْفَرٍ عَنِ ابنِ هُرْمِزَ عَن عبْدِ الله بنِ مالِكٍ ابنِ بُحيْنَةَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُو بَيَاضُ إبْطَيْهِ. (انْظُر الحَدِيث ٣٩٠ وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن تفريج الْمُصَلِّي بَين يَدَيْهِ إِلَى أَن يَبْدُو بَيَاض إبطَيْهِ لَا يكون إلاّ بإبداء ضبعيه والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ هُنَاكَ بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه، وَبِهَذَا الْمَتْن بِعَيْنِه، غير أَن هُنَاكَ نسب شَيْخه إِلَى جده حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا يحيى بن بكير إِلَى آخِره، وَابْن هُرْمُز هُوَ عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء. وَقَوله: (ابْن بُحَيْنَة) لَيْسَ صفة لمَالِك بل صفة لعبد الله، لِأَن بُحَيْنَة اسْم أمه، وَقد ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ مُسْتَوفى.

وَقَالَ اللَّيْثُ حدَّثني جَعْفَرُ بنُ رَبِيعَةَ نَحْوَهُ

هَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسلم من طَرِيقه بِلَفْظ: (كَانَ إِذا سجد فرج يَدَيْهِ عَن إبطَيْهِ حَتَّى إِنِّي لأرى بَيَاض إبطَيْهِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>