زَكَاة الْبَقر، وَإِنَّمَا ذكر مَا يدل على وُجُوبهَا فَقَط؟ قلت: قَالَ النَّوَوِيّ: الحَدِيث الَّذِي ذكره البُخَارِيّ أصح الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي زَكَاة الْبَقر، وَلم يذكر البُخَارِيّ فِي ذَلِك شَيْئا. وَأرَاهُ لم يَصح عِنْده فِي ذَلِك حَدِيث. قلت: روى أَبُو عَليّ الطوسي وَالتِّرْمِذِيّ (عَن معَاذ: بَعَثَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن وَأَمرَنِي أَن آخذ من أَرْبَعِينَ بقرة مُسِنَّة، وَمن كل ثَلَاثِينَ بقرة تبيعا) ، وَحسنه التِّرْمِذِيّ، وَرَوَاهُ الْحَاكِم. وَقَالَ: صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ. وروى الْحَاكِم أَيْضا من حَدِيث عَمْرو ابْن حزم (عَن كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فِي كل أَرْبَعِينَ باقورة بقرة) . وَاخْتلف النَّاس فِي زَكَاة الْبَقر، فَقَالَت الظَّاهِرِيَّة: لَا زَكَاة فِي أقل من خمسين من الْبَقر، فَإِذا ملك خمسين بقرة عَاما قمريا مُتَّصِلا فَفِيهَا بقرة، وَفِي الْمِائَة بقرتان، ثمَّ فِي كل خمسين بقرة بقرة، وَلَا شَيْء فِي الزِّيَادَة حَتَّى تبلغ الْخمسين، وَقَالَت طَائِفَة: لَيْسَ فِيمَا دون ثَلَاثِينَ شَيْء فَإِذا بلغت ثَلَاثِينَ فَفِيهَا تبيع، ثمَّ لَا شَيْء فِيهَا حَتَّى تبلغ أَرْبَعِينَ، فَإِذا بلغتهَا فَفِيهَا بقرة، ثمَّ لَا شَيْء فِيهَا حَتَّى تبلغ خمسين فَإِذا بلغتهَا فَفِيهَا بقرة وَربع بقرة، ثمَّ لَا شَيْء فِيهَا حَتَّى تبلغ سبعين، فَإِذا بلغتهَا فَفِيهَا تبيع ومسنة، وَرُوِيَ ذَلِك عَن إِبْرَاهِيم، وَهِي رِوَايَة غير مَشْهُورَة عَن أبي حنيفَة، وَالْمَشْهُور عَن أبي حنيفَة: لَيْسَ فِي أقل من ثَلَاثِينَ من الْبَقر صَدَقَة، فَإِذا كَانَت ثَلَاثِينَ سَائِمَة وَحَال عَلَيْهَا الْحول فَفِيهَا تبيع أَو تبيعه وَهِي الَّتِي طعنت فِي الثَّالِثَة، فَإِذا زَادَت على أَرْبَعِينَ فَفِي الزِّيَادَة بِقدر ذَلِك إِلَى سِتِّينَ عِنْد أبي حنيفَة، فَفِي الْوَاحِدَة الزَّائِدَة ربع عشر مُسِنَّة، وَفِي السِّتين نصف عشر مُسِنَّة، وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: لَا شَيْء فِي الزِّيَادَة حَتَّى تبلغ سِتِّينَ فَيكون فِيهَا تبيعان أَو تبيعتان، وَهِي رِوَايَة عَن أبي حنيفَة، وَفِي سبعين مُسِنَّة وتبيع، وَفِي ثَمَانِينَ مسنتان، وَفِي تسعين ثَلَاثَة أتبعة، وَفِي الْمِائَة تبيعان ومسنة، وعَلى هَذَا يتَغَيَّر الْفَرْض فِي كل عشرَة من تبيع إِلَى مُسِنَّة، ومذهبنا مَذْهَب عَليّ بن أبي طَالب وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَالشعْبِيّ وطاووس وَشهر بن حُوسِبَ وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد.
٤٤ - (بابُ الزَّكَاةِ عَلَى الأقَارِبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الزَّكَاة على الْأَقَارِب، وَلَيْسَ المُرَاد من الزَّكَاة هَهُنَا مَعْنَاهَا الشَّرْعِيّ الَّذِي هُوَ إيتَاء جُزْء من النّصاب الشَّرْعِيّ الحولي إِلَى فَقير مُسلم غير هاشمي وَلَا مَوْلَاهُ بِشَرْط قطع الْمَنْفَعَة عَن الْمُزَكي لله تَعَالَى، وَإِنَّمَا المُرَاد مِنْهَا مَا أخرجته من مَالك لتسد بِهِ خلة الْمُحْتَاج وتكتسب بِهِ الْأجر والمثوبة عِنْد الله، وللزكاة معَان فِي اللُّغَة: مِنْهَا مَا ذَكرْنَاهُ، فَبِهَذَا يلتئم مَا فِي الْبَاب من الْأَحَادِيث مَعَ التَّرْجَمَة، وَقد تعسفت جمَاعَة هَهُنَا بِمَا لَا طائل تَحْتَهُ وَلَا مُنَاسبَة، مِنْهُم الْكرْمَانِي حَيْثُ يَقُول: فَإِن قلت: عقد الْبَاب لِلزَّكَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ ذكرهَا؟ قلت: لَعَلَّه أثبت لِلزَّكَاةِ حكم الصَّدَقَة بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ أجْرَانِ أجْرُ القَرَابةَ وَالصَّدَقَةِ
هَذَا التَّعْلِيق أخرجه مُسْندًا فِي: بَاب الزَّكَاة على الزَّوْج والأيتام، بعد ثَلَاثَة أَبْوَاب من هَذَا الْبَاب فِي حَدِيث زَيْنَب امْرَأَة عبد الله ابْن مَسْعُود، وَلَكِن لَفظه فِيهِ: (لَهَا أَجْرَانِ: أجر الْقَرَابَة وَأجر الصَّدَقَة) .
١٦٤١ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ أنَّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ يقُولُ كانَ أبُو طَلْحَةَ أكْثَرَ الأنْصَارِ بالمَدِينَةِ مَالا مِنْ نَخْلٍ وكانَ أحَبَّ إلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وكانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ وكانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْخُلُهَا ويَشْرَبُ منْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أنَسٌ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هاذِهِ الآيَةُ {لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمرَان: ٢٩) . قامَ أبُو طَلْحَةَ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رسولَ الله إِن الله تَبَارَكَ وتَعَالى يقُولُ {لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمرَان: ٢٩) . وَإنَّ أحَبَّ أمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءَ وإنَّهَا صَدَقَةٌ لله أرْجُو بِرَّهَا وذُخْرَهَا عِنْدَ الله فَضَعْهَا يَا رَسُولَ الله حَيثُ أرَاكَ الله قَالَ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَخْ ذالِكَ مالٌ رَابِحٌ ذالِكَ مالٌ رَابِحٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute