الْكشميهني لكنه بالضمير، وَفِي رِوَايَة غَيره وَلَكِن بِدُونِ الضَّمِير، وَلما نفت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، رُؤْيَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ربه بِعَيْنِه فِي سُؤال مَسْرُوق عَنْهَا عَن ذَلِك استدركت بقولِهَا لَكِن رأى جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، فِي صورته مرَّتَيْنِ، وأشارت بذلك إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى} (النَّجْم: ٣١) قَالَ الثَّعْلَبِيّ أَي: مرّة أُخْرَى سَمَّاهَا نزلة على الِاسْتِعَارَة، وَذَلِكَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، على صورته الَّتِي خلق عَلَيْهَا مرَّتَيْنِ مرّة بِالْأَرْضِ فِي الْأُفق الْأَعْلَى، وَمرَّة فِي السَّمَاء عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى، وَهَذَا قَول عَائِشَة، وَأكْثر الْعلمَاء وَهُوَ الِاخْتِيَار لِأَنَّهُ قرن الرُّؤْيَة بِالْمَكَانِ، فَقَالَ: عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى، وَلِأَنَّهُ قَالَ: نزلة أُخْرَى، وَوصف الله تَعَالَى بِالْمَكَانِ وَالنُّزُول الَّذِي هُوَ الِانْتِقَال محَال. فَإِن قلت: كَيفَ التَّوْفِيق بَين نفي عَائِشَة الرُّؤْيَة وَإِثْبَات ابْن عَبَّاس إِيَّاهَا.
قلت: وَيحمل نَفيهَا على رُؤْيَة الْبَصَر وإثباته على رُؤْيَة الْقلب، وَالدَّلِيل على هَذَا مَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى وَلَقَد رآره نزلة أُخْرَى} قَالَ: رأى ربه بفؤاده مرَّتَيْنِ، وَله من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس. قَالَ: رَآهُ بِقَلْبِه، وأصرح من ذَلِك مَا أخرجه ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَطاء أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لم يره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَيْنِه إِنَّمَا رَآهُ بِقَلْبِه، وَقد رجح الْقُرْطُبِيّ قَول الْوَقْف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَعَزاهُ لجَماعَة من الْمُحَقِّقين، وقوَّاه لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَاب دَلِيل قَاطع، وَغَايَة مَا اسْتدلَّ بِهِ للطائفتين، ظواهر متعارضة قَابِلَة للتأويل. قَالَ: وَلَيْسَت الْمَسْأَلَة من العمليات فيكتفي فِيهَا بالأدلة الظنية، وَإِنَّمَا هِيَ من المعتقدات فَلَا يَكْتَفِي فِيهَا إلَاّ بِالدَّلِيلِ الْقطعِي، وَمَال ابْن خُزَيْمَة فِي كتاب التَّوْحِيد إِلَّا الْإِثْبَات وَأَطْنَبَ فِي الِاسْتِدْلَال، وَحمل مَا ورد عَن ابْن عَبَّاس على أَن الرُّؤْيَا وَقعت مرَّتَيْنِ: مرّة بِعَيْنِه وَمرَّة بِقَلْبِه، وَالله أعلم.
(بابٌ: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى} (النَّجْم: ٩) حَيْثُ الوَتْرُ مِنَ القَوْسِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} وَلم تثبت هَذِه التَّرْجَمَة إلَاّ لأبي ذَر وَحده، وَفِي بعض النّسخ لم يذكر لفظ بَاب وَقد تقدم تَفْسِيره قَرِيبا عَن مُجَاهِد.
٦٥٨٤ - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ حدَّثنا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ سَمِعْتُ زِرا عنْ عَبْدِ الله: {فَكَانَ قابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى فَأَوْحَى إلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} (النَّجْم: ٩، ٠١) قَالَ حَدَّثنا ابنُ مَسْعُودٍ أنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتْمِائَةِ جَناحٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد، والشيباني هُوَ سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان فَيْرُوز أَبُو إِسْحَاق الْكُوفِي، وزر، بِكَسْر الزَّاي وَتَشْديد الرَّاء، هُوَ ابْن حُبَيْش، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب بَدْء الْوَحْي فِي: بَاب الْمَلَائِكَة.
قَوْله: (عَن عبد الله {فَكَانَ قاب قوسين} ) أَرَادَ أَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ فِي تَفْسِير هَاتين الْآيَتَيْنِ مَا سأذكره ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ: حَدثنَا ابْن مَسْعُود إِلَى آخِره. قَوْله: (رأى جِبْرِيل) ، أَي: رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. قَوْله: (سِتّمائَة جنَاح) ، جملَة إسمية، وَقعت حَالا بِدُونِ الْوَاو، وَرُوِيَ فِي غير رِوَايَة البُخَارِيّ: يَتَنَاثَر من ريشه الدّرّ والياقوت، وَأخرجه النَّسَائِيّ بِلَفْظ يَتَنَاثَر مِنْهَا تهاويل الدّرّ والياقوت. قلت: التهاويل الْأَشْيَاء الْمُخْتَلفَة الألوان كَانَ وَاحِدهَا تهوال وَأَصله مِمَّا يهول الْإِنْسَان ويحيره.
(بابٌ: {فَأَوْحَى إلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} (النَّجْم: ٠١)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأوحى إِلَى عَبده مَا أوحى} وَلم تثبت هَذِه التَّرْجَمَة إلَاّ لأبي ذَر وَحده. قَوْله: (فَأوحى) ، يَعْنِي: أوحى الله تَعَالَى إِلَى عَبده مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن الْحسن وَالربيع وَابْن زيد مَعْنَاهُ: فَأوحى جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِلَى مُحَمَّد مَا أُوحِي إِلَيْهِ ربه، وَعَن سعيد بن جُبَير: أوحى إِلَيْهِ الله {ألم يجدك يَتِيما} (الضُّحَى: ٦) إِلَى قَوْله: {رفعنَا لَك ذكرك} (الشَّرْح: ٤) وَقيل: أوحى إِلَيْهِ أَن الْجنَّة مُحرمَة على الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، حَتَّى تدْخلهَا وعَلى الْأُمَم حَتَّى تدْخلهَا أمتك.
٧٥٨٤ - حدَّثنا طَلْقُ بنُ غَنَّامٍ حدَّثنا زَائِدَةُ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ سَأَلْتُ زِرا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: