٩٥ - (بابُ وجُوبُ القرَاءَةِ لِلإمامِ والْمَأمُومِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فِي الحَضْرِ والسَّفَرِ وَمَا يُجْهَرُ فِيها وَمَا يُخَافَتُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي وجوب الْقِرَاءَة فِي الصَّلَوَات كلهَا فِي الْحَضَر وَالسّفر، وَإِنَّمَا ذكر السّفر لِئَلَّا يظنّ أَن الْمُسَافِر يترخص لَهُ ترك الْقِرَاءَة كَمَا يرخص لَهُ فِي تشطير الرّبَاعِيّة. قَوْله: (وَمَا يجْهر فِيهَا) على صِيغَة الْمَجْهُول عطف على قَوْله: (فِي الصَّلَاة) ، وَالتَّقْدِير: وَوُجُوب الْقِرَاءَة أَيْضا فِيمَا يجْهر فِيهَا. وَقَوله: (وَمَا يُخَافت) على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا عطف على مَا يجْهر، وَالتَّقْدِير: وَوُجُوب الْقِرَاءَة أَيْضا فِيمَا يُخَافت أَي يستر.
وَحَاصِل الْكَلَام أَن الْقِرَاءَة وَاجِبَة فِي الصَّلَوَات كلهَا سَوَاء كَانَ الْمُصَلِّي فِي الْحَضَر أَو فِي السّفر، وَسَوَاء كَانَت الصَّلَاة فِيمَا يجْهر بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا أَو يسر، وَسَوَاء كَانَ الْمُصَلِّي إِمَامًا أَو مَأْمُوما. وَقيد الْمَأْمُوم على مذْهبه لِأَن عِنْد الْحَنَفِيَّة لَا تجب الْقِرَاءَة على الْمَأْمُوم، لِأَن قِرَاءَة الإِمَام قِرَاءَة لَهُ، وَإِنَّمَا لم يذكر الْمُنْفَرد لِأَن حكمه حكم الإِمَام.
٧٥٥ - حدَّثنا مُوسَى قَالَ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ عنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ قَالَ شَكا أهْلُ الكُوفَةِ سَعْدا إلَى عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَعَزَلَهُ واسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارا فَشَكَوْا حَتَّى ذكَرُوا أنَّهُ لَا يُحْسِنُ يُصَلِّي فَأرْسَلَ إلَيْهِ فَقَالَ يَا أَبَا إسْحَاقَ إنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعَمُونَ أنَّكَ لَا تُحْسِنُ تُصَلِّي قَالَ أبُو إسْحَاقَ أمَّا أَنا وَالله فإنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أخْرِمُ عَنهَا أُصَلِّي صَلَاةَ العِشَاءِ فَأرْكُدُ فِي الأُولَيَيْنِ وَأخِفُّ فِي الأُخْرَيَيْنِ قَالَ ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أبَا إسْحَاقَ فَأرْسَلَ مَعَهُ رَجُلاً أوْ رِجَالاً إلَى الكُوفَةِ فَسَألَ عَنْهُ أهْلَ الكُوفَةِ ولَمْ يَدَعْ مَسْجِدا إلَاّ سَأَلَ عَنْهُ وَيثْنُونَ عَلَيْهِ مَعْرُوفا حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدا لِبَنِي عَبْسٍ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بنُ قَتَادَةَ يُكْنَي أَبَا سَعْدَةَ قَالَ أمَّا إذْ نَشَدْتَنَا فإنَّ سَعْدا كانَ لَا يَسِيرُ بالسَّريَّةِ وَلَا يقسم بِالسَّوِيَّةِ ولَا يَعْدِلُ فِي القَضِيَّةِ قَالَ سَعْدٌ أمَا وَالله لأَدْعُوَنَّ بِثَلَاثٍ اللَّهُمَّ إنْ كانَ عَبْدُكَ هَذِا كَاذِبا قامَ رِياءً وسُمْعَةً فأطِلْ عُمْرَهُ وأطِلْ فَقْرَهُ وَعَرِّضْهُ لِلفِتَنِ قَالَ وَكَانَ بَعْدُ إذَا سُئِلَ يَقُولُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ أصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ. قالَ عَبْدُ المَلِكِ فَأنَا رَأيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِن الكِبَرِ وإنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمزُهُنَّ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَإِنِّي كنت أُصَلِّي بهم صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَلَا نزاع فِي قِرَاءَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صلَاته دَائِما، وَهُوَ يدل على وجوب الْقِرَاءَة، لَكِن التطابق إِنَّمَا يكون فِي الْجُزْء الأول من التَّرْجَمَة وَهُوَ قَوْله: (وجوب الْقِرَاءَة للْإِمَام. وَقَوله: (مَا أخرم عَنْهَا) أَي: عَن صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يدل على الْجُزْء الْخَامِس وَالسَّادِس من التَّرْجَمَة، وَهُوَ: الْجَهْر فِيمَا يجْهر والمخافتة فِيمَا يُخَافت، وَلَا نزاع أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يجْهر فِي مَحل الْجَهْر ويخفي فِي مَحل الْإخْفَاء، وَهَذَا القَوْل يدل أَيْضا على الْجُزْء الثَّالِث وَالرَّابِع، لِأَنَّهُ يدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ يتْرك الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة فِي الْحَضَر وَلَا فِي السّفر، لِأَنَّهُ لم ينْقل تَركه أصلا، وَلم يبْق من التَّرْجَمَة إلاّ الْجُزْء الثَّانِي، وَهُوَ: قِرَاءَة الْمَأْمُوم، فَلَا دلَالَة فِي الحَدِيث عَلَيْهِ، وَبِهَذَا التَّقْدِير ينْدَفع اعْتِرَاض الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيره، حَيْثُ قَالُوا: لَا دلَالَة فِي حَدِيث سعد على وجوب الْقِرَاءَة، وَإِنَّمَا فِيهِ تخفيفها فِي الْأُخْرَيَيْنِ عَن الْأَوليين، وَقَالَ ابْن بطال: وَجه دُخُول حَدِيث سعد فِي هَذَا الْبَاب أَنه لما قَالَ: أركد وأخف، علم أَنه لَا يتْرك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute