بَأْس، وَلَكِن لَا يكبر حَتَّى تطلع الشَّمْس، وَلَا يَنْبَغِي أَن يَأْتِي الْمُصَلِّي حَتَّى تحين الصَّلَاة، وَقَالَ الشَّافِعِي يَأْتِي إِلَى الْمصلى حِين تبرز الشَّمْس فِي الْأَضْحَى، وَيُؤَخر الغدو فِي الْفطر قَلِيلا.
١١ - (بابُ فَضْلِ العَمَلَ فِي أيَّامِ التَّشْرِيقِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الْعَمَل فِي أَيَّام التَّشْرِيق، وَهُوَ مصدر من شَرق اللَّحْم إِذا بَسطه فِي الشَّمْس ليجف، وَسميت بذلك أَيَّام التَّشْرِيق لِأَن لُحُوم الْأَضَاحِي كَانَت تشرق فِيهَا بمنى، وَقيل: سميت بِهِ لِأَن الْهَدْي والضحايا لَا تنحر حَتَّى تشرق الشَّمْس، أَي: تطلع. وَكَانَ الْمُشْركُونَ يَقُولُونَ: أشرق ثبير كَيْمَا نغير، و: ثبير، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء: وَهُوَ جبل بمنى، أَي: أَدخل أَيهَا الْجَبَل فِي الشروق، وَهُوَ ضوء الشَّمْس، كَيْمَا نغير أَي: ندفع للنحر، وَذكر بَعضهم أَن أَيَّام التَّشْرِيق سميت بذلك، وَقيل: التَّشْرِيق صَلَاة الْعِيد لِأَنَّهَا تُؤدِّي عِنْد إشراق الشَّمْس وارتفاعها، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث: (لَا جُمُعَة وَلَا تَشْرِيق إلاّ فِي مصر جَامع) . أخرجه أَبُو عبيد بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَى عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَوْقُوفا، وَمَعْنَاهُ: لَا صَلَاة جُمُعَة وَلَا صَلَاة عيد. وَفِي (الْخُلَاصَة) : أَيَّام النَّحْر ثَلَاثَة، وَأَيَّام التَّشْرِيق ثَلَاثَة، ويمضي ذَلِك فِي أَرْبَعَة أَيَّام، فَإِن الْعَاشِر من ذِي الْحجَّة نحر خَاص، وَالثَّالِث عشر تَشْرِيق خَاص، وَمَا بَينهمَا اليومان للنحر والتشريق جَمِيعًا.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ وَاذْكُرُوا الله فِي أيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ أيامُ العَشْرِ والأيَّامُ المَعْدُودَاتُ أيَّامُ التَّشْرِيقِ
قَالَ ابْن عَبَّاس: واذْكُرُوا الله ... إِلَى آخِره، رِوَايَة كَرِيمَة وَابْن شبويه وَرِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي: {ويذكروا الله فِي أَيَّام معدودات} (الْحَج: ٢٨) . وَرِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: {ويذكروا الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات} (الْبَقَرَة: ٢٠٣) . الْحَاصِل من ذَلِك إِن ابْن عَبَّاس لَا يُرِيد بِهِ لفظ الْقُرْآن، إِذْ لَفظه هَكَذَا: {ويذكروا اسْم الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات} (الْحَج: ٢٨) . وَمرَاده أَن الْأَيَّام المعلومات هِيَ: الْعشْر الأول من ذِي الْحجَّة وَالْأَيَّام المعدودات الْمَذْكُورَة فِي قَوْله تَعَالَى: {واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات} (الْحَج: ٢٨) . هِيَ الْأَيَّام الثَّلَاثَة هِيَ: الْحَادِي عشر من ذِي الْحجَّة الْمُسَمّى بِيَوْم النَّفر، وَالثَّانِي عشر وَالثَّالِث عشر المسميان بالنفر الأول والنفر الثَّانِي.
وَالتَّعْلِيق الْمَذْكُور وَصله عبد الله بن حميد فِي تَفْسِيره: حَدثنَا قبيصَة عَن سُفْيَان عَن ابْن جريج: (عَن عَمْرو بن دِينَار: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: اذْكروا الله فِي أَيَّام معدودات: الله أكبر، واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات: الله أكبر الْأَيَّام المعدودات أَيَّام التَّشْرِيق وَالْأَيَّام المعلومات الْعشْر) . وَاخْتلف السّلف فِي الْأَيَّام المعدودات والمعلومات، فالأيام المعلومات الْعشْر، والمعدودات أَيَّام التَّشْرِيق وَهِي ثَلَاثَة أَيَّام بعد يَوْم النَّحْر عِنْد أبي حنيفَة، رَوَاهُ عَنهُ الْكَرْخِي، وَهُوَ قَول الْحسن وَقَتَادَة، وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن عمر أَن المعلومات هِيَ: ثَلَاثَة أَيَّام النَّحْر، والمعدودات: أَيَّام التَّشْرِيق، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد: سميت معدودات لقلتهن ومعلومات لجزم النَّاس على علمهَا لأجل فعل الْمَنَاسِك فِي الْحَج، وَقَالَ الشَّافِعِي: من الْأَيَّام المعلومات النَّحْر، وَرُوِيَ عَن عَليّ وَعمر: يَوْم النَّحْر ويومان بعده، وَبِه قَالَ مَالك. قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَإِلَيْهِ أذهب لقَوْله تَعَالَى: {لِيذكرُوا اسْم الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام} (الْحَج: ٢٨) . وَهِي أَيَّام النَّحْر، وَسميت معدودات لقَوْله تَعَالَى: {واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} (الْبَقَرَة: ٢٠٣) . وَسميت أَيَّام التَّشْرِيق معدودات لِأَنَّهُ إِذا زيد عَلَيْهَا فِي الْبَقَاء كَانَ حصرا. لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يبْقين مُهَاجِرِي بِمَكَّة بعد قَضَاء نُسكه فَوق ثَلَاث) .
وكانَ ابنُ عُمَرَ وأبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إلَى السُّوقِ فِي أيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ ويُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا
كَذَا ذكره الْبَغَوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة مُعَلّقا. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : أخرجه الشَّافِعِي: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد أَخْبرنِي عبيد الله عَن نَافِع (عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ يَغْدُو إِلَى الْمصلى يَوْم الْفطر إِذا طلعت الشَّمْس فيكبر حَتَّى يَأْتِي الْمصلى يَوْم الْعِيد، ثمَّ يكبر بالمصلى حَتَّى إِذا جلس الإِمَام ترك التَّكْبِير) . زَاد فِي (المُصَنّف) : (وَيرْفَع صَوته حَتَّى يبلغ الإِمَام) . قلت: الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute