رَوَاهُ الشَّافِعِي لَيْسَ بمطابق لما علقه البُخَارِيّ، فَكيف يَقُول صَاحب (التَّوْضِيح) : أخرجه الشَّافِعِي؟ وَلِهَذَا قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) الَّذِي هُوَ عمدته فِي شَرحه: قَالَ الشَّافِعِي: حَدثنَا إِبْرَاهِيم ... إِلَى آخِره، وَلم يقل: أخرجه وَلَا وَصله، وَنَحْو ذَلِك. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ عبد الله بن عمر عَن نَافِع عَن إِبْنِ عمر مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رفع الصَّوْت بالتهليل وَالتَّكْبِير حَتَّى يَأْتِي الْمصلى، وروى فِي ذَلِك عَن عَليّ وَغَيره من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأَعْتَرِض: على البُخَارِيّ فِي ذكر هَذَا الْأَثر فِي تَرْجَمَة الْعَمَل فِي أَيَّام التَّشْرِيق وَأجِيب: بِأَن البُخَارِيّ كثيرا يذكر التَّرْجَمَة ثمَّ يضيف إِلَيْهَا مَا لَهُ أدنى مُلَابسَة بهَا اسْتِطْرَادًا.
وكَبَّرَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ
مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، الْمَعْرُوف بالباقر، مر فِي: بَاب من لم ير الْوضُوء إلاّ من المخرجين. وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الدَّارَقُطْنِيّ فِي (المؤتلف) من طَرِيق معن بن عِيسَى الْقَزاز: أخبرنَا أَبُو وهنة رُزَيْق الْمدنِي، قَالَ: رَأَيْت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ يكبر بمنى فِي أَيَّام التَّشْرِيق خلف النَّوَافِل، و: أَبُو وهنة، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْهَاء وبالنون. ورزيق بِتَقْدِيم الرَّاء مُصَغرًا. وَقَالَ السفاقسي: لم يُتَابع مُحَمَّدًا على هَذَا أحد، وَعَن بعض الشَّافِعِيَّة: يكبر عقيب النَّوَافِل والجنائز على الْأَصَح. وَعَن مَالك قَولَانِ، وَالْمَشْهُور أَنه: مُخْتَصّ بالفرائض. قَالَ ابْن بطال: وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، وَسَائِر الْفُقَهَاء لَا يرَوْنَ التَّكْبِير إلاّ خلف الْفَرِيضَة. وَفِي (الْأَشْرَاف) : التَّكْبِير فِي الْجَمَاعَة مَذْهَب ابْن مَسْعُود، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة، وَهُوَ الْمَشْهُور عَن أَحْمد، وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ: يكبر الْمُنْفَرد، وَالصَّحِيح مَذْهَب أبي حنيفَة: إِن التَّكْبِير وَاجِب. وَفِي (قاضيخان) : سنة، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد، وَاخْتلف الْمَشَايِخ على قَول أبي حنيفَة: هَل يشْتَرط على إِقَامَتهَا الْحُرِّيَّة أم لَا؟ وَالأَصَح أَنَّهَا لَيست بِشَرْط عِنْده، وَكَذَا السُّلْطَان لَيْسَ بِشَرْط عِنْده، وَلَيْسَ على جمَاعَة النِّسَاء إِذا لم يكن مَعَهُنَّ رجل، فَإِذا كَانَ يجب عَلَيْهِنَّ بطرِيق التّبعِيَّة.
٩٦٩ - حدَّثنا محَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ قَالَ مَا العَمَلُ فِي أيَّامِ العَشْرِ أفْضَلَ مِنَ العَمَلِ فِي هاذِهِ قالُوا وَلَا الجِهَادُ قَالَ وَلَا الجِهَادُ إلَاّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ ومالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيءٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة إِن كَانَ المُرَاد من قَوْله: (فِي هَذِه) أَيَّام التَّشْرِيق. فَإِن قلت: المُرَاد مِنْهُ أَيَّام الْعشْر، بِدَلِيل أَن التِّرْمِذِيّ روى الحَدِيث الْمَذْكُور من حَدِيث الْأَعْمَش: عَن مُسلم عَن سعيد عَن ابْن عَبَّاس بِلَفْظ: (مَا من أيامٍ العملُ الصَّالح فيهم أحب إِلَى الله من هَذِه الْأَيَّام الْعشْر) الحَدِيث، فَحِينَئِذٍ لَا يكون الحَدِيث مطابقا للتَّرْجَمَة. قلت: يحْتَمل أَن البُخَارِيّ زعم أَن قَوْله: (فِي هَذِه) ، إِشَارَة إِلَى أَيَّام التَّشْرِيق وَفسّر الْعَمَل بِالتَّكْبِيرِ لكَونه أورد الْآثَار الْمَذْكُورَة الْمُتَعَلّقَة بِالتَّكْبِيرِ فَقَط. فَإِن قلت: الْأَكْثَرُونَ من الروَاة على أَن قَوْله: (فِي هَذِه) على الْإِبْهَام، إلاّ رِوَايَة كَرِيمَة عَن الْكشميهني: (مَا الْعَمَل فِي أَيَّام الْعشْر أفضل من الْعَمَل فِي هَذِه) . قلت: هَذَا مِمَّا يُقَوي مَا زَعمه البُخَارِيّ. فَإِن قلت: رِوَايَة كَرِيمَة شَاذَّة مُخَالفَة لما رَوَاهُ أَبُو ذَر، وَهُوَ من الْحفاظ عَن الْكشميهني شيخ كَرِيمَة بِلَفْظ: (مَا الْعَمَل فِي أَيَّام أفضلُ مِنْهَا فِي هَذَا الْعشْر) ، وَكَذَا أخرجه أَحْمد وَغَيره عَن غنْدر عَن شُعْبَة بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي (مُسْنده) عَن شُعْبَة فَقَالَ: (فِي أَيَّام أفضل مِنْهُ فِي عشر ذِي الْحجَّة) ، وَكَذَا رَوَاهُ الدَّارمِيّ عَن سعيد بن الرّبيع عَن شُعْبَة، وروى أَبُو عوَانَة وَابْن حبَان فِي (صَحِيحَيْهِمَا) من حَدِيث جَابر: (مَا من أيامٍ أفضل عِنْد الله من أَيَّام عشر ذِي الْحجَّة) ، فَظهر من هَذَا كُله أَن المُرَاد بِالْأَيَّامِ فِي حَدِيث الْبَاب أَيَّام عشر ذِي الْحجَّة، فعلى هَذَا لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة. قلت: الشَّيْء يشرف بمجاورته للشَّيْء الشريف، وَأَيَّام التَّشْرِيق تقع تلو أَيَّام الْعشْر، وَقد ثَبت بِهَذَا الحَدِيث أَفضَلِيَّة أَيَّام الْعشْر، وَثَبت أَيْضا بذلك أَفضَلِيَّة أَيَّام التَّشْرِيق، وَأَيْضًا قد ذكرنَا أَن من جملَة صَنِيع البُخَارِيّ فِي جَامعه أَنه يضيف إِلَى تَرْجَمَة شَيْئا من غَيرهَا لأدنى مُلَابسَة بهَا.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن عرْعرة، بِفَتْح الْعَينَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وتكرير الرَّاء، وَقد تقدم. الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الثَّالِث: سُلَيْمَان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute