ذَلِك إِلَّا فِي مَسْجِد قبا لِأَنَّهُ،، كَانَ يَأْتِيهِ رَاكِبًا وماشياً وَلم يفعل ذَلِك فِي تِلْكَ الْأَمْكِنَة. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: إِن الْمَسَاجِد الَّتِي ثَبت أَن رَسُول الله صلى فِيهَا لَو انذر أحد الصَّلَاة فِي شَيْء مِنْهَا تعين كَمَا تعين الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة.
أبْوَابُ سُترَةِ المُصَلِّي ٠٩
(بابٌ سُتْرَةُ الإِمامِ سُتْرَةُ مَنْ خَلْفَهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَون ستْرَة الإِمَام الَّذِي يُصَلِّي وَلَيْسَ بَين يَدَيْهِ جِدَار وَنَحْوه ستْرَة لمن كَانَ يُصَلِّي خَلفه من الْمُصَلِّين. والسترة، بِضَم السِّين: مَا يستر بِهِ، وَالْمرَاد هَهُنَا عكازة أَو عَصا أَو عنزة، وَنَحْو ذَلِك. وَفِي بعض النّسخ قبل قَوْله بَاب ستْرَة الإِمَام، أيواب ستْرَة الْمُصَلِّي. أَي: هَذِه أَبْوَاب فِي بَيَان أَحْكَام ستْرَة الْمُصَلِّي.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين هَذِه الْأَبْوَاب والأبواب الَّتِي قبلهَا من حَيْثُ أَن الْأَبْوَاب السَّابِقَة فِي أَحْكَام الْمَسَاجِد بوجوهها، وَهَذِه الْأَبْوَاب فِي بَيَان أَحْكَام الْمُصَلِّين فِي غَيرهَا. وَهِي خَمْسَة أَبْوَاب متناسقة.
١٤٢ - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن عبد الله بن عَبَّاس أَنه قَالَ أَقبلت رَاكِبًا على حمَار أتان وَأَنا يَوْمئِذٍ قد ناهزت الِاحْتِلَام وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي بِالنَّاسِ بمنى إِلَى غير جِدَار فمررت بَين يَدي بعض الصَّفّ فَنزلت وَأرْسلت الأتان ترتع وَدخلت فِي الصَّفّ فَلم يُنكر ذَلِك عَليّ أحد) مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة تستنبط من قَوْله إِلَى غير جِدَار لِأَن هَذَا اللَّفْظ مشْعر بِأَن ثمَّة ستْرَة لِأَن لفظ غير يَقع دَائِما صفة وَتَقْدِيره إِلَى شَيْء غير جِدَار وَهُوَ أَعم من أَن يكون عَصا أَو عنزة أَو نَحْو ذَلِك وَقَالَ بَعضهم فِي الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث نظر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى إِلَى ستْرَة وَقد بوب عَلَيْهِ الْبَيْهَقِيّ بَاب من صلى إِلَى غير ستْرَة (قلت) دَلِيله لَا يساعد نظره لِأَنَّهُ لم يقف على دقة الْكَلَام وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا لم يقف على هَذِه النُّكْتَة وَالْبُخَارِيّ دقق نظره فأورد هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب للْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ على أَن ذَلِك مَعْلُوم من حَال النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه بِهَذَا الْإِسْنَاد قد تقدم فِي كتاب الْعلم فِي بَاب مَتى يَصح سَماع الصَّغِير غير أَن هُنَاكَ شَيْخه إِسْمَاعِيل عَن مَالك وَهَهُنَا عبد الله بن يُوسُف عَنهُ وَهُنَاكَ حَدثنِي مَالك وَهَهُنَا أخبرنَا مَالك وَهُنَاكَ فَلم يُنكر ذَلِك على صِيغَة الْمَجْهُول مَعَ طي ذكر الْفَاعِل وَهَهُنَا على صِيغَة الْمَعْلُوم وَالْفَاعِل هُوَ قَوْله أحد وَقد ذكرنَا مبَاحث هَذَا الحَدِيث هُنَاكَ مستوفاة
١٤٣ - (حَدثنَا إِسْحَاق قَالَ حَدثنَا عبد الله بن نمير قَالَ حَدثنَا عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا خرج يَوْم الْعِيد أَمر بالحربة فتوضع بَين يَدَيْهِ فَيصَلي إِلَيْهَا وَالنَّاس وَرَاءه وَكَانَ يفعل فِي السّفر فَمن ثمَّ اتخذها الْأُمَرَاء) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة (فَإِن قلت) كَيفَ الظُّهُور والترجمة فِي أَن ستْرَة الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه وَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على ذَلِك (قلت) يدل على ذَلِك من وُجُوه ثَلَاثَة. الأول أَنه لم ينْقل وجود ستْرَة لأحد من الْمَأْمُومين وَلَو كَانَ ذَلِك لنقل لتوفر الدَّوَاعِي على نقل الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة فَدلَّ ذَلِك على أَن سترته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَت ستْرَة لمن خَلفه. الثَّانِي أَن قَوْله " فَيصَلي إِلَيْهَا وَالنَّاس وَرَاءه " يدل على دُخُول النَّاس فِي الستْرَة لأَنهم تابعون للْإِمَام فِي جَمِيع مَا يَفْعَله. الثَّالِث أَن قَوْله وَرَاءه يدل على أَنهم كَانُوا وَرَاء الستْرَة أَيْضا إِذْ لَو كَانَت لَهُم ستْرَة لم يَكُونُوا وَرَاءه بل كَانُوا وَرَاءَهَا وَقد نقل القَاضِي عِيَاض الِاتِّفَاق على أَن الْمَأْمُومين يصلونَ إِلَى ستْرَة يَعْنِي بِهِ ستْرَة الإِمَام وَقَالَ وَلَكِن اخْتلفُوا هَل سترتهم ستْرَة الإِمَام أَو سترتهم الإِمَام نَفسه وَقَالَ بَعضهم فِيهِ نظر لما رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ الصَّحَابِيّ أَنه صلى بِأَصْحَابِهِ فِي سفر وَبَين يَدَيْهِ ستْرَة فمرت حمير بَين يَدي أَصْحَابه فَأَعَادَ بهم الصَّلَاة وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ لَهُم " إِنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute