ثمَّ أَتَى براحلته فركبها، فَلَمَّا اسْتَوَت بِهِ الْبَيْدَاء أهلَّ، ثمَّ قَالَ: فَذهب قوم إِلَى هَذَا فاستحبوا الْإِحْرَام من اليبداء لإحرام النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مِنْهَا. وَأَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: الْأَوْزَاعِيّ وَعَطَاء وَقَتَادَة، وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ، وَأَرَادَ بهم الْأَئِمَّة الاربعة وَأكْثر أَصْحَابهم، فَإِنَّهُم قَالُوا: سنة الْإِحْرَام أَن يكون من ذِي الحليفة. وَفِي (شرح الْمُوَطَّأ) : اسْتحبَّ مَالك وَأكْثر الْفُقَهَاء أَن يهل الرَّاكِب إِذا اسْتَوَت بِهِ رَاحِلَته قَائِمَة، وَاسْتحبَّ أَبُو حنيفَة أَن يكون إهلاله عقب الصَّلَاة إِذا سلم مِنْهَا، وَقَالَ الشَّافِعِي: يهل إِذا أخذت نَاقَته فِي الْمَشْي، وَحين كَانَ يركب رَاحِلَته قَائِمَة كَمَا يَفْعَله كثير من الْحجَّاج الْيَوْم، وَقَالَ عِيَاض: جَاءَ فِي رِوَايَة: (اهل رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إِذا اسْتَوَت النَّاقة) . وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: (حَتَّى اسْتَوَت بِهِ رَاحِلَته) ، وَفِي أُخْرَى: (حَتَّى تنبعث بِهِ نَاقَته) ، وكل ذَلِك مُتَّفق عَلَيْهِ. ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: أجَاب هَؤُلَاءِ عَمَّا قَالَه أهل الْمقَالة الاولى من اسْتِحْبَاب الْإِحْرَام من الْبَيْدَاء وَحَاصِله: لَا نسلم أَن إِحْرَامه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من الْبَيْدَاء يدل على اسْتِحْبَاب ذَلِك، وَأَنه فَضِيلَة اخْتَارَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون ذَلِك، لَا الْقَصْد أَن للاحرام مِنْهَا فَضِيلَة على الْإِحْرَام من غَيرهَا، وَقد فعل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي حجَّته فِي مَوَاضِع لَا لفضل قَصده، وَمن ذَلِك نُزُوله بالمحصب. وروى عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لَيْسَ المحصب بِشَيْء، إِنَّمَا هُوَ منزل نزله رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَلَمَّا حصب رَسُول الله، عَلَيْهِ السَّلَام، وَلم يكن ذَلِك لِأَنَّهُ سنة، فَكَذَلِك يجوز أَن يكون إِحْرَامه من الْبَيْدَاء كَذَلِك. قَالَ: وَأنكر قوم أَن يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحرم من الْبَيْدَاء، وَقَالُوا: مَا أحرم إلَاّ من الْمَسْجِد، وَأَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: الزُّهْرِيّ وَعبد الْملك بن جريج وَعبد الله بن وهب، وَرووا فِي ذَلِك مَا رَوَاهُ مَالك عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سَالم عَن أَبِيه أَنه قَالَ: (بيداؤكم هَذِه الَّتِي تكذبون على رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَنه أهل مِنْهَا، مَا أهل رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، إلَاّ من عِنْد الْمَسْجِد) ، يَعْنِي: مَسْجِد ذِي الحليفة، أخرجه الطَّحَاوِيّ عَن يزِيد بن سِنَان عَن عبد الله بن مُسلم عَن مَالك عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سَالم عَن أَبِيه، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا. فان قلت: كَيفَ يجوز لِابْنِ عمر أَن يُطلق الْكَذِب على الصَّحَابَة؟ قلت: الْكَذِب يَجِيء بِمَعْنى الْخَطَأ، لِأَنَّهُ يُشبههُ فِي كَونه ضد الصَّوَاب، كَمَا أَن ضد الْكَذِب الصدْق، وافترقا من حَيْثُ النِّيَّة وَالْقَصْد، لِأَن الْكَاذِب يعلم أَن الَّذِي يَقُوله كذب، والمخطىء لَا يعلم وَلَا يظنّ بِهِ أَنه كَانَ ينْسب الصَّحَابَة إِلَى الْكَذِب. قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَلَمَّا جَاءَ هَذَا الِاخْتِلَاف بيَّن ابْن عَبَّاس الْوَجْه الَّذِي جَاءَ مِنْهُ الِاخْتِلَاف كَمَا ذكرنَا آنِفا.
٣١ - (بابُ التَّيَمُّنِ فِي الوُضُوءِ والغُسل)
أَي: هَذَا بَاب فِي باين التَّيَمُّن فِي الْوضُوء وَالْغسْل، والتيمن هُوَ الْأَخْذ بِالْيَمِينِ.
والمناسبة بَين الْأَبْوَاب ظَاهِرَة من حَيْثُ إِن الْأَبْوَاب الْمَاضِيَة فِي أَحْكَام الْوضُوء، والتيمن أَيْضا من أَحْكَامه، وَلَا سِيمَا بَينه وَبَين الْبَاب الَّذِي قبله، لِأَنَّهُ فِي غسل الرجلَيْن وَفِيه التَّيَمُّن أَيْضا سنة أَو مُسْتَحبّ.
١٦٧ - حدّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدثنَا إسْماعِيلُ قَالَ حدّثنا خالِدٌ عنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سيرِين عنْ أُمِّ عطِيَّةَ قالتْ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُنَّ فِي غسْلِ ابْنَتِهِ: ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بميامنها) ، لِأَن الامر بالتيمن فِي التغسيل والتوضئة كليهمَا مُسْتَفَاد من عُمُوم اللَّفْظ.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: مُسَدّد بن مسرهد، وَقد ذكر. الثَّانِي: اسماعيل: هُوَ ابْن علية، وَقد مر. الثَّالِث: خَالِد الْحذاء، وَقد مضى. الرَّابِع: حَفْصَة بنت سِيرِين الْأَنْصَارِيَّة، أُخْت مُحَمَّد بن سِيرِين. الْخَامِس: أم عَطِيَّة بنت كَعْب، وَيُقَال: بنت الْحَارِث الْأَنْصَارِيَّة، وَاسْمهَا نسيبة، بِضَم النُّون وَفتح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره هَاء، وَحكي فتح النُّون مَعَ كسر السِّين: يَعْنِي يحيى بن معِين، وَلها صُحْبَة وَرِوَايَة، تعد فِي أهل الْبَصْرَة، وَكَانَت تغسل الْمَوْتَى وتمرض المرضى وتداوي الْجَرْحى وتغزو مَعَ رَسُول الله، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، غزت مَعَه سبع غزوات، وَشهِدت خَيْبَر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute