عَنْ أبِي مُوسَى رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قالَ قَدِمْتُ عَلَى رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ بِالبَطْحَاءِ فَقَالَ أحَجَجْتَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ بِمَ أهْلَلْتَ قُلْتُ لَبَّيْكَ بِإهْلالٍ كإهْلَالِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أحْسنْتَ انْطَلِقْ فَطُفْ بِالبَيْتِ وبِالصَّفَا والمَرْوةِ ثُمَّ أتَيْتُ امْرَأةً مِنْ نِساءِ بَنِي قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأسِي ثُمَّ أهْلَلْتُ بِالحَجِّ فكُنْتُ أُفْتِي بِهِ النَّاسَ حَتَّى خِلافَةِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فذَكرْتُهُ لَهُ فَقَالَ إنْ نأخُذْ بِكتَابِ الله فإنَّهُ يأمُرُنَا بِالتَّمَامِ وِإنْ نأخُذْ بِسُنَّةِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الهَدْيَ مَحِلَّهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (حَتَّى بلغ الْهَدْي مَحَله) ، لِأَن بُلُوغ الْهَدْي مَحَله عبارَة عَن الذّبْح، وتأخيره على سَبِيل الرُّخْصَة، وَقد مضى الحَدِيث فِي: بَاب من أهل فِي زمن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كإهلال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أخرجه: عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان عَن قيس بن مُسلم إِلَى آخِره، وَقد تقدم الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فَقلت) ، الْفَاء الأولى للتعقيب، وَالثَّانيَِة من نفس الْكَلِمَة لِأَنَّهُ من: فليت رَأسه من الْقمل، إِذا أزحته مِنْهُ، تَقول: فلَّى الرجل، وفلَّت الْمَرْأَة، يفلي فليا، حَاصله: أَنه تحلل من الْعمرَة، ثمَّ بعد ذَلِك أحرم بِالْحَجِّ فَصَارَ مُتَمَتِّعا، لِأَنَّهُ لم يكن مَعَه الْهَدْي. قَوْله: (كنت أُفْتِي بِهِ) أَي: بالتمتع الْمَدْلُول عَلَيْهِ بسياق الْكَلَام. قَوْله: (أَن نَأْخُذ بِكِتَاب الله) ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} (الْبَقَرَة: ٦٩١) . قَوْله: (مَحَله) ، بِكَسْر الْحَاء.
٦٢١ - (بابُ مَنْ لَبَّدَ رَأسَهُ عِنْدَ الإحْرَامِ وحَلَقَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من لبد رَأسه عِنْد الْإِحْرَام وَحلق رَأسه بعد ذَلِك عِنْد الْإِحْلَال، قَوْله: (لبد) ، بِالتَّشْدِيدِ من التلبيد وَهُوَ أَن يضفر رَأسه وَيجْعَل فِيهِ شَيْئا من صمغ وَشبهه ليجتمع ويتلبد فَلَا يتخلله الْغُبَار وَلَا يُصِيبهُ الشعث وَلَا يحصل فِيهِ قمل، وَإِنَّمَا يفعل ذَلِك من طول الْمكْث فِي الْإِحْرَام. قيل: أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى الْخلاف فِيمَن لبد، هَل يتَعَيَّن عَلَيْهِ الْحلق أَو لَا؟ فَنقل ابْن بطال عَن الْجُمْهُور تعين ذَلِك حَتَّى عَن الشَّافِعِي، وَقَالَ أهل الرَّأْي: لَا يتَعَيَّن، بل إِن شَاءَ قصر، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد.
٥٢٧١ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُمْ أنَّها قالَتْ يَا رَسُولَ الله مَا شأنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمرَةٍ ولَمْ تَحْلِلْ أنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَالَ إنِّي لَبَّدْتُ رَأسِي وقَلدْتُ هَدْبِي فَلَا أحِلَّ حَتَّى أنحَرَ..
وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِنِّي لبدت رَأْسِي) . فَإِن قلت: التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على التلبيد، وعَلى الْحلق وَلَيْسَ فِي الحَدِيث تعرض إِلَى الْحلق؟ قلت: قيل: إِنَّه مَعْلُوم من حَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه حلق رَأسه فِي حجه، وَقد ورد ذَلِك صَرِيحًا فِي حَدِيث ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، الَّذِي يَأْتِي فِي أول الْبَاب الَّذِي بعد هَذَا الْبَاب، وَالْأَوْجه أَن يُقَال: إِن وَجه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة إِذا وجد فِي جُزْء من الحَدِيث يَكْفِي ويكتفي بِهِ، وَلَا تشْتَرط الْمُطَابقَة بَين أجزائهما جَمِيعًا، أَلا يرى أَن فِي الحَدِيث ذكر تَقْلِيد الْهَدْي وَلَيْسَ فِي التَّرْجَمَة ذَلِك، وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه بِهَذَا الْإِسْنَاد قد مر فِي بَاب التَّمَتُّع والإقران، وَقد ذكرنَا أَن هَذَا الحَدِيث أخرجه الْجَمَاعَة غير التِّرْمِذِيّ، وَأَنه يدل على أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ مُتَمَتِّعا، لِأَن الْهَدْي الْمُقَلّد لَا يمْنَع من الْإِحْلَال إلَاّ فِي الْمُتْعَة خَاصَّة، وَإِن كَانَ قَوْله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذَا بعد أَن يطوف فَلم يطف حَتَّى أحرم صَار قَارنا، فعلى كل حَال إِنَّه يرد قَول من قَالَ: إِنَّه كَانَ مُفردا بِحجَّة لم يتقدمها عمْرَة، وَلم تكن مَعهَا عمْرَة.
٧٢١ - (بابُ الْحَلْقِ والتَّقْصِيرِ عِنْدَ الإحْلَالِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْحلق وَالتَّقْصِير عِنْد إحلاله من الْإِحْرَام. قيل: أَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة أَن الْحلق نسك لقَوْله: (عِنْد الْإِحْلَال) ، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور إلَاّ فِي رِوَايَة ضَعِيفَة عَن الشَّافِعِي أَنه اسْتِبَاحَة مَحْظُور. قلت: وَجُمْهُور الْعلمَاء على أَن من