للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سَوَاء أدّيت زَكَاته أم لَا. وَفِي قَوْله: (إِنَّمَا يجمعُونَ الدُّنْيَا) دَلِيل على أَن الْكَنْز عِنْده جمع المَال. وَفِيه: وَعِيد شَدِيد لمن لَا يُؤَدِّي زَكَاته. وَفِيه: تكنية الشَّارِع لأَصْحَابه، و: الذَّر، جمع ذرة وَهِي: النملة الصَّغِيرَة، وَذكر أَن أَبَا ذَر لما أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ انْصَرف إِلَى قومه فَأَتَاهُ بعد مُدَّة فَتوهم اسْمه فَقَالَ: أَنْت أَبُو نملة. قَالَ أَبُو ذَر: يَا رَسُول الله، بل أَبُو ذَر. وَقد ذكرنَا أَن اسْمه جُنْدُب بن جُنَادَة. وَفِيه: فِي قَوْله: أتبصر أُحدا؟ إِلَى آخِره، مثل لتعجيل الزَّكَاة، يَقُول: مَا أحب أَن أحبس مَا أوجبه الله بِقدر مَا بَقِي من النَّهَار. وَفِيه: مَا يشْعر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُرْسل أفاضل أَصْحَابه فِي حَاجته يفضلهم بذلك، لِأَنَّهُ يصير رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِيه: مَا يشْهد لما، قَالَ سَحْنُون: ترك الدُّنْيَا زهدا أفضل من كسبها من الْحَلَال وإنفاقها فِي سَبِيل الله. وَفِيه: نفي الْعقل عَن الْعُقَلَاء.

٥ - (بابُ إنْفَاقِ المَالِ فِي حَقِّهِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِنْفَاق المَال، أَي: صرفه فِي حَقه أَي: فِي مصرفه الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مُؤَاخذَة عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.

٩٠٤١ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حدَّثنا يَحْيَى عنْ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثني قَيْسٌ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ، قَالَ سَمِعْتُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ لَا حَسَدَ إلَاّ فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلِ آتَاهُ الله مَالا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ وَرَجُلٍ آتَاهُ الله حِكْمَةً فَهْوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا..

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي الشّطْر الأول مِنْهُ لِأَنَّهُ يدل على التَّرْغِيب فِي إِنْفَاق المَال فِي حَقه، والْحَدِيث قد مضى بِعَيْنِه فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب الِاغْتِبَاط فِي الْعلم وَالْحكمَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن الْحميدِي عَن سُفْيَان عَن إِسْمَاعِيل إِلَى آخِره، وَأخرجه هُنَا: عَن مُحَمَّد بن الْمثنى الْمَعْرُوف بالزمن الْبَصْرِيّ عَن يحيى الْقطَّان عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، واسْمه سعد الْكُوفِي عَن قيس بن أبي حَازِم واسْمه عَوْف الأحمسي البَجلِيّ، قدم الْمَدِينَة بَعْدَمَا قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ، فلنذكر هُنَا شَيْئا يَسِيرا.

فَقَوله: (لَا حسد) أَي: لَا غِبْطَة، وَقَالَ ابْن بطال: أَي لَا مَوضِع للغبطة إلَاّ فِي هَاتين الخصلتين فَإِن فيهمَا مَوضِع التنافس. قَوْله: (إلَاّ فِي اثْنَتَيْنِ) أَي: خَصْلَتَيْنِ، ويروى: (إلَاّ فِي اثْنَيْنِ) ، أَي: شَيْئَيْنِ من الْخِصَال.

٦ - (بابُ الرِّياءِ فِي الصَّدَقَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الرِّيَاء فِي الصَّدَقَة، الرِّيَاء: مصدر من راءيت الرجل مراآة ورياء أَي: خلاف مَا أَنا عَلَيْهِ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {الَّذين هم يراؤن} (الماعون: ٦) . يَعْنِي: الْمُنَافِقين إِذا صلى الْمُؤْمِنُونَ صلوا مَعَهم يراؤنهم أَنهم على مَا هم عَلَيْهِ، وَفِي (الْمغرب) ؛ وَمن راأى راأى الله بِهِ، أَي: من عمل عملا لكَي يرَاهُ النَّاس شهر الله رياءه يَوْم الْقِيَامَة. ورأيا بِالْيَاءِ خطا، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: فلَان مراء وَقوم مراؤن وَالِاسْم الرِّيَاء. يُقَال: فعل ذَلِك رِيَاء وَسُمْعَة. وَقَالَ أَبُو حَامِد: الرِّيَاء مُشْتَقّ من الرُّؤْيَة وَأَصله طلب الْمنزلَة فِي قُلُوب النَّاس بإراءتهم الْخِصَال المحمودة، فحد الرِّيَاء هُوَ إراءة الْعباد بِطَاعَة الله تَعَالَى، فالمرائي هُوَ العابد، والمرائي لَهُ هُوَ النَّاس والمراأى بِهِ هُوَ الْخِصَال الحميدة، والرياء هُوَ قصد إِظْهَار ذَلِك.

لِقَوْلِهِ تَعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بالمَنِّ والأذَى} إلَى قَوْلِهِ {الكافِرِينَ} (الْبَقَرَة: ٤٦٢) .

علل الرِّيَاء فِي الصَّدَقَة بقوله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} (الْبَقَرَة: ٤٦٢) . إِلَى آخِره، فَإِن الله تَعَالَى شبه الَّذِي يبطل صدقته بالمن والأذى بِالَّذِي ينْفق مَاله رئاء النَّاس، وَلَا شكّ أَن الَّذِي يرائي فِي صدقته أسوء حَالا من الْمُتَصَدّق بالمن، لِأَنَّهُ قد علم أَن الْمُشبه بِهِ يكون أقوى حَالا من الْمُشبه، وَلِهَذَا قَالَ فِي حق الْمرَائِي: وَلَا يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر، ثمَّ ضرب مثل ذَلِك الْمرَائِي بإنفاقه. بقوله: {فَمثله كَمثل صَفْوَان} (الْبَقَرَة: ٤٦٢) . إِلَى آخِره ثمَّ إِن صدر الْآيَة خطاب للْمُؤْمِنين خاطبهم بقوله: {وَلَا تُبْطِلُوا صَدقَاتكُمْ} (الْبَقَرَة: ٤٦٢) . أَي: ثَوَاب صَدقَاتكُمْ وأجور نفقاتكم. وَفِي (صَحِيح مُسلم) من حَدِيث أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ثَلَاثَة لَا يكلمهم الله يَوْم الْقِيَامَة وَلَا ينظر إِلَيْهِم وَلَا يزكيهم

<<  <  ج: ص:  >  >>