غَيره: (إِن من الْبَيَان لسحرا) بِاللَّامِ الَّتِي هِيَ للتَّأْكِيد، وَالْبَيَان على نَوْعَيْنِ: بَيَان تقع بِهِ الْإِبَانَة عَن المُرَاد بِأَيّ وَجه كَانَ، وَبَيَان بلاغة وَهُوَ الَّذِي دَخلته الصَّنْعَة بِحَيْثُ يروق السامعين ويستميل بِهِ قُلُوبهم، وَهُوَ الَّذِي يشبه بِالسحرِ إِذا جلب الْقُلُوب وَغلب على النُّفُوس، وَفِي الْحَقِيقَة هُوَ تصنع فِي الْكَلَام وتكلف لتحسينه وَصرف الشَّيْء عَن ظَاهِرَة كالسحر الَّذِي هُوَ تخييل لَا حَقِيقَة لَهُ، والمذموم من هَذَا الْفَصْل أَن يقْصد بِهِ الْبَاطِل واللبس فيوهمك الْمُنكر مَعْرُوفا وَهَذَا مَذْمُوم، وَهُوَ أَيْضا مشبه بِالسحرِ لِأَن السحر صرف الشَّيْء عَن حَقِيقَته. وَحكى يُونُس أَن الْعَرَب تَقول، مَا سحرك عَن وَجه كَذَا؟ أَي: صرفك، وَرُوِيَ أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب من حَدِيث صَخْر بن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه عبد الله بن بُرَيْدَة يرفعهُ: (إِن من الْبَيَان سحرًا وَإِن من الْعلم جهلا وَإِن من الشّعْر حكما وَإِن من القَوْل عيالاً) . فَقَالَ صعصعة بن صوحان الْعَبْدي: صدق نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. أما قَوْله: إِن من الْبَيَان سحرًا فالرجل يكون عَلَيْهِ الْحق وَهُوَ أَلحن بالحجج من صَاحب الْحق فيسحر الْقَوْم ببيانه فَيذْهب بِالْحَقِّ. وَأما قَوْله: (إِن من الْعلم جهلا) ، فَهُوَ أَن يتَكَلَّف الْعَالم إِلَى علمه مَا لم يعلم فيجهل لذَلِك، وَأما قَوْله: (إِن من الشّعْر حكما) ، فَهِيَ هَذِه المواعظ والأمثال الَّتِي يتعظ بهَا النَّاس، وَلما قَوْله: (إِن من القَوْل عيالاً) ، فعرضك كلامك على من لَيْسَ من شَأْنه وَلَا يُريدهُ. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: أَن من القَوْل عيلاً، ثمَّ فسره بِمَا ذكرنَا، ثمَّ قَالَ: علت الضَّالة أعيل عيلاً إِذا لم تدر أَي جِهَة تبغيها، كَأَنَّهُ لم يهتد لمن يطْلب فعرضه على من لَا يُريدهُ.
٨٤ - (بابُ ضَرْبِ الدُّفِّ فِي النِّكَاحِ والوَلِيمَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِبَاحَة ضرف الدُّف فِي النِّكَاح، والأفصح فِي الدُّف ضم ادال وَقد تفتح، وَهُوَ الَّذِي بِوَجْه وَاحِد، وَقد اخْتلف فِي الضَّرْب بِالْوَجْهِ من الْوَجْهَيْنِ. قَوْله: (والوليمة) أَي: ضرب الدُّف فِي الْوَلِيمَة، وَهُوَ من عطف الْعَام على الْخَاص، قيل: يحْتَمل أَن يُرِيد وَلِيمَة النِّكَاح خَاصَّة، وَأَن ضرب الدُّف يشرع فِي النِّكَاح عِنْد العقد وَعند الخول مثلاٍ وَعند الْوَلِيمَة كَذَلِك، وَالْأول أقرب.
٧٤١٥ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ حَدثنَا خالِدُ بنُ ذَكْوانَ قَالَ: قالَتِ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذِ بنِ غَفْرَاءَ: جاءَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَدَخَلَ حِينَ بُنْيَ علَيَّ، فَجَلسَ علَى فِرَاشِس كمَجْلَسِكَ مِنِّي، فَجَعَلتْ جُوَيْرِيَاتٌ لَنا يَضْرِبْنَ بالدُّفِّ ويَنْذُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبائِي يَوْمَ بَدْرٍ إذْ قالَتْ إحْدَاهُنَّ: وَفينَا نَبيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ: دَعي هاذِهِ وقُولِي بالَّذِي كُنْتِ نَقُولِينَ.
(انْظُر الحَدِيث ١٠٠٤) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَبشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن الْمفضل من التَّفْضِيل على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول ابْن لَاحق الْبَصْرِيّ، وخَالِد بن ذكْوَان أَبُو الْحسن الْمدنِي، وَالربيع، بِضَم الرَّاء، مصغر الرّبيع. ضد الخريف: بنت معوذ بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من التعويذ بِالْعينِ الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة، والعفراء مؤنث الأعفر بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالْفَاء وَالرَّاء من العفرة، وَهُوَ بَيَاض لَيْسَ بالناصع.
والْحَدِيث قد مر فِي الْمَغَازِي فِي بَاب مُجَرّد بعد: بَاب شهودالملائكة بَدْرًا، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ عَن بشر بن الْمفضل إِلَى آخِره.
قَوْله: (حِين بني عَليّ) أَرَادَت بِهِ لَيْلَة دخل عَلَيْهَا زَوجهَا وَبني، على صِيغَة الْمَجْهُول: وعليَّ بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (كمجلسك) بِفَتْح اللَّام مصدر ميمي أَي: كجلوسك، ويروي بِكَسْر اللَّام. قَوْله: (يندبن) بِضَم الدَّال من النّدب وَهُوَ تعديد محَاسِن الْمَيِّت والبكاء عَلَيْهِ. قَوْله: (من آبَائِي) وَفِي رِوَايَة مرت فِي الْمَغَازِي: وَفِي آبائهن. قَوْله: (إِذْ قَالَت إِحْدَاهُنَّ) أَي: إِحْدَى الجويريات، وَهُوَ جمع جوَيْرِية مصغر جَارِيَة. قَوْله: (قَالَ: دعِي) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتِلْك الْجَارِيَة الَّتِي قَالَت: وَفينَا نَبِي يعلم ام فِي غَد، دعِي أَي: اتركي هَذَا القَوْل، لِأَن مفاتح الْغَيْب عِنْد الله لَا يعلمهَا إلَاّ هُوَ. قَوْله: (وَقَوْلِي بِالَّذِي كنت تَقُولِينَ) يَعْنِي: اشتغلي بالأشعار الَّتِي تتَعَلَّق بالمغازي والشجاعة وَنَحْوهَا.
وَفِي الحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا: تشريف الرّبيع بِدُخُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهَا وجلوسه أمامها حَيْثُ يجلس الرَّأْس، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ صَحَّ هَذَا؟ قلت: أما أَنه جلس من وَرَاء الْحجاب أَو كَانَ قبل نزُول آيَة الْحجاب أَو جَازَ النّظر لحَاجَة أَو عِنْد الْأَمْن من الْفِتْنَة، وَاسْتحْسن بَعضهم الْجَواب الْأَخير
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute