أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قصَّة فَاطِمَة بنت قيس، لم يذكر لفظ: بَاب، فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، ولبعضهم ذكر لفظ: بَاب، وَعَلِيهِ مَشى ابْن بطال. وَفَاطِمَة بنت قيس بن خَالِد الْأَكْبَر بن وهب بن ثَعْلَبَة بن عَمْرو بن شَيبَان بن محَارب بن فهر القرشية الفهرية أُخْت الضَّحَّاك بن قيس، يُقَال: إِنَّهَا كَانَت أكبر مِنْهُ بِعشر سِنِين، وَكَانَت من الْمُهَاجِرَات الأول، وَكَانَت ذَات جمال وعقل وَكَمَال، وَفِي بَيتهَا اجْتمعت أَصْحَاب الشورى عِنْد قتل عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وخطبوا خطبتهم المأثورة، وَقَالَ الزبير: وَكَانَت امْرَأَة بخوداً، والبخود: النبيلة، قَالَ أَبُو عمر: روى عَنْهَا الشّعبِيّ وَأَبُو سَلمَة، وَأما الضَّحَّاك بن قيس فَإِنَّهُ كَانَ من صغَار الصَّحَابَة. وَقَالَ أَبُو عمر: يُقَال: إِنَّه ولد قبل وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسبع سِنِين أَو نَحْوهَا، وينقون سَمَاعه من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ على شرطة مُعَاوِيَة ثمَّ صَار عَاملا لَهُ على الْكُوفَة بعد زِيَاد، وولاه عَلَيْهَا مُعَاوِيَة سنة ثَلَاث وَخمسين وعزله سنة سبع وَخمسين وَولى مَكَانَهُ عبد الرَّحْمَن بن أم الحكم وضمه إِلَى الشَّام، فَكَانَ مَعَه إِلَى أَن مَاتَ مُعَاوِيَة، فصلى عَلَيْهِ، وَقَامَ بخلافته حَتَّى قدم يزِيد ابْن مُعَاوِيَة، فَكَانَ مَعَه إِلَى أَن مَاتَ يزِيد، وَمَات بعده ابْنه مُعَاوِيَة بن يزِيد، ووثب مَرْوَان على بعض أهل الشَّام وبويع لَهُ فَبَايع الضَّحَّاك بن قيس أَكثر أهل الشَّام لِابْنِ الزبير وَعَاد إِلَيْهِ فَاقْتَتلُوا فَقتل الضَّحَّاك بن قيس بمرج راهط لِلنِّصْفِ من ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَسِتِّينَ، روى عَنهُ الْحسن الْبَصْرِيّ وَتَمِيم بن طرفَة وَمُحَمّد بن سُوَيْد الفِهري وَمَيْمُون بن مهْرَان وَسماك بن حَرْب.
وَأما قصَّة فَاطِمَة بنت قيس فقد رويت من وُجُوه صِحَاح متواترة، وَقَالَ مُسلم فِي (صَحِيحه) : بَاب الْمُطلقَة ثَلَاثًا لَا نَفَقَة لَهَا، ثمَّ روى قصَّتهَا من طرق مُتعَدِّدَة فَأول مَا رُوِيَ: حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ: قَرَأت على مَالك عَن عبد الله بن يزِيد مولى الْأسود ابْن سُفْيَان عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن فَاطِمَة بنت قيس أَن أَبَا عمر بن حَفْص طَلقهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِب، فَأرْسل إِلَيْهَا وَكيله بشعير فسخطته، فَقَالَ: وَالله مَالك علينا من شَيْء، فَجَاءَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَة، فَأمرهَا أَن تَعْتَد فِي بَيت أم شريك، ثمَّ قَالَ: تِلْكَ امْرَأَة يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتدى عِنْد ابْن أم مَكْتُوم فَإِنَّهُ رجل أعمى تَضَعِينَ ثِيَابك فَإِذا حللت فاذنيني. قَالَت: فَلَمَّا حللت ذكرت لَهُ أَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَأَبا جهم خطباني، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما أَبُو جهم فَلَا يضع عَصَاهُ عَن عَاتِقه، وَأما مُعَاوِيَة فصعلوك لَا مَال لَهُ، أنكحي أُسَامَة بن زيد فَكَرِهته ثمَّ قَالَ: أنكحي أُسَامَة فنكحته فَجعل الله فِيهِ خيرا واغتبطت. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لَا نَفَقَة لَك وَلَا سُكْنى، وَفِي رِوَايَة: لَا نَفَقَة لَك فانتقلي فاذهبي إِلَى ابْن أم مَكْتُوم فكوني عِنْده، وَفِي رِوَايَة أبي بكر بن أبي الجهم. قَالَ: سَمِعت فَاطِمَة بنت قيس تَقول: أرسل إِلَيّ زَوجي أَبُو عمر بن حَفْص بن الْمُغيرَة عَيَّاش بن أبي ربيعَة بطلاقي، وَأرْسل مَعَه بِخَمْسَة آصَع تمر وَخَمْسَة آصَع شعير، فَقلت: أمالي نَفَقَة إلَاّ هَذَا وَألا اعْتد فِي منزلكم؟ قَالَ: لَا. قَالَت: فشددت عَليّ ثِيَابِي وأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: كم طَلَّقَك؟ قلت: ثَلَاثًا. قَالَ: صدق، لَيْسَ لَك نَفَقَة اعْتدى فِي بَيت ابْن عمك ابْن أم مَكْتُوم. . الحَدِيث.
وَأخرج الطَّحَاوِيّ حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس هَذِه من سِتَّة عشر طَرِيقا كلهَا صِحَاح. مِنْهَا: مَا قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن مَيْمُون، قَالَ: حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى قَالَ: حَدثنَا أَبُو سَلمَة قَالَ: حَدثنِي فَاطِمَة بنت قيس أَن أَبَا عَمْرو بن حَفْص المَخْزُومِي طَلقهَا ثَلَاثًا. فَأمر لَهَا بِنَفَقَة فاستقلتها. وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه نَحْو الْيمن، فَانْطَلق خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي نفر من بني مَخْزُوم إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي بَيت مَيْمُونَة فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن أَبَا عَمْرو بن حَفْص طلق فَاطِمَة ثَلَاثًا فَهَل لَهَا من نَفَقَة؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ لَهَا نَفَقَة وَلَا سُكْنى وَأرْسل إِلَيْهَا أَن تنْتَقل إِلَى أم شريك، ثمَّ أرسل إِلَيْهَا أَن أم شريك يَأْتِيهَا الْمُهَاجِرُونَ الْأَولونَ فانتقلى إِلَى ابْن أم مَكْتُوم فَإنَّك إِذا وضعت خِمَارك لم يَرك.
ثمَّ الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي هَذَا الْبَاب فِي فصلين. الأول: أَن الْمُطلقَة ثَلَاثًا لَا تجب لَهَا النَّفَقَة وَلَا السُّكْنَى عِنْد قوم إِذا لم تكن حَامِلا، وَاحْتَجُّوا بالأحاديث الْمَذْكُورَة، وهم: الْحسن الْبَصْرِيّ وَعَمْرو بن دِينَار وطاووس وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَعِكْرِمَة وَالشعْبِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَإِبْرَاهِيم فِي رِوَايَة وَأهل الظَّاهِر، وَقَالَ قوم: لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى حَامِلا أَو غير حَامِل، وهم حَمَّاد وَشُرَيْح وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة وَالْحسن بن صَالح وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن وَهُوَ مَذْهَب عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن مسعد رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا