الحَدِيث عِنْدِي، ثمَّ وثب من فوره فجَاء بِأَصْلِهِ، فَأخْرج مِنْهُ هَذَا الحَدِيث عَن أبي مُعَاوِيَة كَمَا ذكره يحيى الْحمانِي، فَكتب عَنهُ يحيى بن معِين، وَكفى لصِحَّة هَذَا الحَدِيث شَهَادَة عبد الرَّحْمَن وَكِتَابَة يحيى بن معِين وَرِوَايَة أبي مُعَاوِيَة، وَأما قَول ابْن حزم: وَلَا نعلمهُ صَحِيحا، فَهِيَ نفي لعلمه بِصِحَّتِهِ، فَهَذَا لَا يسْتَلْزم نفي صِحَة الحَدِيث فِي علم غَيره، فَافْهَم. وَقد روى أَحْمد، رَحمَه الله تَعَالَى، فِي (مُسْنده) من حَدِيث ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، حَدِيثا يدل على جَوَاز لبس المزعفر للْمحرمِ إِذا لم يكن فِيهِ نفض وَلَا ردع.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من ظَاهر الحَدِيث: جَوَاز لبس المزعفر والمورس لغير الرجل الْمحرم، لِأَنَّهُ قَالَ ذَلِك فِي جَوَاز السُّؤَال عَمَّا يلبس الْمحرم، فَدلَّ على جَوَازه لغيره، فَإِن قلت: أخرج الشَّيْخَانِ من حَدِيث أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يتزعفر الرجل؟ قلت: قَالَ شَيخنَا زين الدّين، رَحمَه الله: الْجمع بَين الْحَدِيثين أَنه يحْتَمل أَن يُقَال: إِن جَوَاب سُؤَالهمْ انْتهى عِنْد قَوْله: أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ اسْتَأْنف بِهَذَا لَا تعلق لَهُ بالمسؤول عَنهُ، فَقَالَ: وَلَا تلبسوا شَيْئا من الثِّيَاب ... إِلَى آخِره، ثمَّ ذكر حكم الْمَرْأَة الْمُحرمَة. انْتهى. قلت: هَذَا الِاحْتِمَال فِيهِ بعد، بل الْأَوْجه أَن المُرَاد من النَّهْي عَن تزعفر الرجل أَن يزعفر بدنه، فَأَما لبس الثَّوْب المزعفر لغير الْمحرم فَلَا بَأْس بِهِ، وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن أنس، قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يزعفر الرجل جلده، وَإِسْنَاده صَحِيح، والْحَدِيث الَّذِي يُنْهِي النَّهْي عَن مُطلق التزعفر، وَيحمل الْمُطلق على الْمُقَيد الَّذِي فِيهِ بِأَن يزعفر الرجل جلده، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا ورد فِي جَوَاز لبس الثِّيَاب المزعفرة والمورسة للرِّجَال، فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه من حَدِيث قيس بن سعد، قَالَ: أَتَانَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَضَعْنَا لَهُ مَا يتبرَّد فاغتسل، ثمَّ أَتَيْته بملحفة صفراء فَرَأَيْت أثر الورس عَلَيْهِ، لفظ ابْن مَاجَه. وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا: كَانَ يصْبغ بالصفرة ثِيَابه كلهَا حَتَّى عمَامَته، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَفِي لفظ لَهُ: إِن ابْن عمر كَانَ يصْبغ ثِيَابه بالزعفران، فأصله فِي (الصَّحِيح) وَلَفظه: أما الصُّفْرَة فَإِنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصْبغ بهَا. وَجمع الْخطابِيّ بِأَن مَا صبغ غزله ثمَّ نسج فَلَيْسَ بداخل فِي النَّهْي، وَوَافَقَهُ الْبَيْهَقِيّ على هَذَا، فَإِن قلت: قد علم أَن الْمحرم قد منع من لبس الثَّوْب الْمَصْبُوغ بالزعفران أَو الورس، فَمَا حكمه إِذا توسد عَلَيْهِ أَو نَام؟ قلت: قَالَ أَبُو يُوسُف فِي (الْإِمْلَاء) : لَا يَنْبَغِي لمحرم أَن يتوسد ثوبا مصبوغا بالزعفران وَلَا الورس، وَلَا ينَام عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يصير مُسْتَعْملا للطيب، فَكَانَ كاللبس، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: اخْتلف أهل الْعلم فِي الورس هَل هُوَ طيب أم لَا؟ فَذكر ابْن الْعَرَبِيّ أَنه لَيْسَ بِطيب، فَقَالَ: والورس، وَإِن لم يكن طيبا فَلهُ رَائِحَة طيبَة، فَأَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يبين تجنب الطّيب الْمَحْض، وَمَا يشبه الطّيب فِي ملايمة الشم واستحسانه. وَقَالَ الرَّافِعِيّ: هُوَ فِيمَا يُقَال: أشهر طيب فِي بِلَاد الْيمن، وَفِي كَلَام النَّوَوِيّ أَيْضا مَا يشْعر أَنه طيب. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: نبه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالورس والزعفران على مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِمَّا يقْصد بِهِ الطّيب فَهِيَ حرَام على القبيلتين، فَيكْرَه للْمحرمِ لبس الثَّوْب الْمَصْبُوغ بِغَيْر طيب، وَأما الْفَوَاكِه كالأترج والتفاح وأزهار الْبَوَادِي كالشيخ والقيصوم وَغَيرهمَا فَلَيْسَ بِحرَام.
٤٤٥١ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ قَالَ حدَّثنا أبي عنْ يُونُسَ الأيْلِيِّ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ أُسَامَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ كَانَ رِدْفَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ عَرَفَةَ إلَى المُزْدَلِفَةِ ثُمَّ أرْدَفَ الفَضْلَ مِنَ المُزْدَلِفَةَ إلَى مِنَىً قَالَ فَكلَاهُمَا قَالَ لَمْ يَزَلِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ.
(الحَدِيث ٣٤٥١ طرفه فِي: ٦٨٦١) ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا. وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الله الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، ووهب هُوَ ابْن جرير بن حَازِم يروي عَن أَبِيه جرير، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد مُسلم، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن