أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا تصدق شخص مَاله ووقف إِلَى آخِره، أما إِذا تصدق بِبَعْض مَاله فَلَا خلاف فِيهِ أَنه يجوز، وَكَذَا إِذا تصدق بِكُل مَاله فَإِنَّهُ يجوز، وَقَالَ ابْن بطال: وَاتفقَ مَالك والكوفيون وَالشَّافِعِيّ وَأكْثر الْعلمَاء على: أَنه يجوز للصحيح أَن يتَصَدَّق بِكُل مَاله فِي صِحَّته، إلَاّ أَنهم استحبوا أَن يبقي لنَفسِهِ مِنْهُ مَا يعِيش بِهِ خوف الْحَاجة، وَمَا يَتَّقِي من الْآفَات مثل الْفقر وَغَيره، فَإِن آفَات الدُّنْيَا كَثِيرَة، وَرُبمَا يطول عمره وَيحصل لَهُ الْعَمى أَو الزمانة مَعَ الْفقر. لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(أمسك عَلَيْك بعض مَالك فَهُوَ خير لَك) ، ويروى:(أمسك عَلَيْك ثلث مَالك) ، فحض على الْأَفْضَل، وَقَالَ ابْن التِّين: وَمذهب مَالك أَنه يجوز إِذا كَانَ لَهُ صناعَة أَو حِرْفَة يعود بهَا على نَفسه وَعِيَاله، وإلَاّ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِك، وَأما إِذا وقف بعض مَاله فَهُوَ وقف الْمشَاع، فَإِنَّهُ يجوز عِنْد أبي يُوسُف وَالشَّافِعِيّ وَمَالك، لِأَن الْقَبْض لَيْسَ بِشَرْط عِنْدهم، عِنْد مُحَمَّد: لَا يجوز وقف الْمشَاع فِيمَا يقبل الْقِسْمَة، لِأَن الْقَبْض شَرط عِنْده، وَأما وقف بعض رَقِيقه فَإِن فِيهِ حكمين. أَحدهمَا: أَنه مشَاع، وَالْحكم فِيهِ مَا ذكرنَا. وَالْآخر: أَنه وقف الْمَنْقُول، فَإِنَّهُ يجوز عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِيمَا يتعارف وَقفه للتعامل بهَا. قَوْله:(أَو بعض رَقِيقه) إِلَى آخِره، من بَاب عطف الْخَاص على الْعَام. وَقَالَ بَعضهم: هَذِه التَّرْجَمَة معقودة لجَوَاز وقف الْمَنْقُول والمخالف فِيهِ أَبُو حنيفَة. انْتهى. قلت: الْمَذْهَب فِيهِ تَفْصِيل فَلَا يُقَال: الْمُخَالف فِيهِ أَبُو حنيفَة، كَذَا جزَافا. أما مَذْهَب أبي حنيفَة فَإِنَّهُ لَا يرى بِالْوَقْفِ أصلا، فضلا عَن صِحَة وقف الْمَنْقُول، وَأما مَذْهَب أبي يُوسُف وَمُحَمّد فَإِنَّهُمَا يريان وقف الْمَنْقُول بطرِيق التّبعِيَّة، كآلات الْحَرْث والثيران، وَعبيد الأكرة تبعا للضيعة كالبناء يَصح وَقفه تبعا للْأَرْض لَا وَحده، وَأما الْمَنْقُول بِغَيْر التّبعِيَّة كوقف الْقدر والفأس والطست وَنَحْو ذَلِك، فَإِنَّهُ يجوز عِنْد مُحَمَّد للتعارف كَمَا ذكرنَا.
٧٥٧٢ - حدَّثنا يَحْيى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَبْدِ الله بنِ كَعْبٍ أنَّ عَبْدَ الله بنَ كَعْبٍ قَالَ سَمِعْتُ كَعْبَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قُلْتُ يَا رسولَ الله إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أنْ أنْخَلِعَ مِنْ مالِي صَدَقةً إِلَى الله وإلَى رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أمْسِكُ عَلَيْكَ بعْضَ مالِكَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ فإنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله:(أمسك عَلَيْك بعض مَالك) فَإِن فِيهِ دلَالَة على جَوَاز إِخْرَاج بعض مَاله، وَالْمَال أَعم من أَن يكون من النُّقُود وَمن الْعقار.
وَرِجَال هَذَا الحَدِيث قد ذكرُوا غير مرّة، وَعقيل، بِضَم الْعين، وَهَذَا قِطْعَة من حَدِيث كَعْب بن مَالك فِي قصَّة تخلفه عَن غَزْوَة تَبُوك، وَسَيَأْتِي الحَدِيث بِطُولِهِ فِي كتاب الْمَغَازِي، وَهَذَا الْمِقْدَار قد مضى فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب لَا صَدَقَة إلَاّ عَن ظهر غنى، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.