من شَاب شيبَة ... الحَدِيث، لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَول متضاد وَلَا نسخ فَتعين الْجمع، فَمن غَيره من الصَّحَابَة فَمَحْمُول على الأول، وَمن لم يُغَيِّرهُ فعلى الثَّانِي، مَعَ أَن تَغْيِيره ندب لَا فرض، أَو كَانَ النَّهْي نهي كَرَاهَة لَا تَحْرِيم لإِجْمَاع سلف الْأمة وَخَلفهَا على ذَلِك، وَكَذَلِكَ الْأَمر فِيمَا أَمر بِهِ على وَجه النّدب، والطَّحَاوِي، رَحمَه الله مَال إِلَى النّسخ بِحَدِيث الْبَاب، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وَإِنَّمَا نهى عَن النتف دون الخضب لِأَن فِيهِ تَغْيِير الْخلقَة من أَصْلهَا، بِخِلَاف الخضب فَإِنَّهُ لَا يُغير الْخلقَة على النَّاظر، وَنقل عَن أَحْمد أَنه يجب، وَعنهُ يجب وَلَو مرّة، وَعنهُ: لَا أحب لأحد أَن يتْرك الخضب ويتشبه بِأَهْل الْكتاب.
النَّوْع الثَّانِي: فِيمَا يصْبغ بِهِ. وَاخْتلف فِيهِ، فالجمهور على أَن الخضاب بالحمرة والصفرة دون السوَاد، لما رُوِيَ فِيهِ من الْأَخْبَار الْمُشْتَملَة على الْوَعيد، فروى عبد الْكَرِيم عَن ابْن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، يرفعهُ يكون فِي آخر الزَّمَان قوم يخضبون بِالسَّوَادِ لَا يَجدونَ ريح الْجنَّة، وروى الْمثنى بن الصَّباح عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: من خضب بِالسَّوَادِ لم ينظر الله إِلَيْهِ، وروى الطَّبَرَانِيّ عَن جُنَادَة عَن أبي الدَّرْدَاء يرفعهُ: من خضب بِالسَّوَادِ سوّد الله وَجهه يَوْم الْقِيَامَة، وروى عَن أنس يرفعهُ: غيروا وَلَا تغيرُوا بِالسَّوَادِ، وَذكر ابْن أبي العاصم بأسانيد: إِن حسنا وَحسَيْنا رَضِي الله عَنْهُمَا، كَانَا يختضبان بِهِ، أَي: بِالسَّوَادِ، وَكَذَلِكَ ابْن شهَاب، وَقَالَ: أحبه إِلَيْنَا أحلكه، وَكَذَلِكَ شُرَحْبِيل بن السمط، وَقَالَ عَنْبَسَة بن سعيد: إِنَّمَا شعرك بِمَنْزِلَة ثَوْبك فاصبغه بِأَيّ لون شِئْت، وأحبه إِلَيْنَا أحلكه. وَكَانَ إِسْمَاعِيل بن أبي عبد الله يخضب بِالسَّوَادِ، وَعَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ، أَنه كَانَ يَأْمر بالخضاب بِالسَّوَادِ، وَيَقُول: هُوَ تسكين للزَّوْجَة وأهيب لِلْعَدو، وَعَن ابْن أبي مليكَة: أَن عُثْمَان كَانَ يخضب بِهِ، وَعَن عقبَة بن عَامر وَالْحسن وَالْحُسَيْن أَنهم كَانُوا يختضبون، وَمن التَّابِعين: عَليّ ابْن عبد الله بن عَبَّاس وَعُرْوَة بن الزبير وَابْن سِيرِين وَأَبُو بردة، وروى ابْن وهب عَن مَالك قَالَ: لم أسمع فِي صبغ الشّعْر بِالسَّوَادِ نهيا مَعْلُوما، وَغَيره أحب إليّ، وَعَن أَحْمد فِيهَا رِوَايَتَانِ، وَعَن الشَّافِعِيَّة أَيْضا رِوَايَتَانِ، وَالْمَشْهُور يكره، وَقيل: يحرم ويتأكد الْمَنْع لمن دلّس بِهِ، وَذكر الْكَلْبِيّ أَن أول من صبغ بِالسَّوَادِ عبد الْمطلب بن هَاشم، قلت: هَذَا من الْعَرَب، وَأما أول من صبغ لحيته بِالسَّوَادِ ففرعون مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَله حِكَايَة ذَكرنَاهَا فِي (تاريخنا) .
٦٨ - (بابُ: الجَعْدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْجَعْد بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالدال الْمُهْملَة، وَهُوَ صفة للشعر وَهُوَ خلاف السبط، وَجه دُخُول هَذَا الْبَاب فِي كتاب اللبَاس من حَيْثُ إِنَّه تَابع للباب السَّابِق، وَقد مر بَيَان وَجه دُخُوله، فالتابع المطابق للشَّيْء ماطبق لذَلِك الشَّيْء.
٥٩٠٠ - حدَّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكُ بنُ أنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ بنِ أبي عَبْدِ الرَّحْمانِ عَنْ أنَسَ بن مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، أنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بالطَّوِيلِ البائِنِ وَلَا بالقَصِيرِ ولَيْسَ بالأبْيَض الأمْهَقِ، ولَيْسَ بالآدَمِ ولَا بالجَعْدِ القَطِطِ ولَا بالسَّبْطِ، بَعَثَهُ الله عَلَى رَأْسِ أرْبَعِينَ سَنَةً، فأقامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وبالمَدِينَةِ عَشْرَ سِنينَ وتَوَفَّاهُ الله عَلَى رأْسِ سَتِّين سَنَةً وَلَيْسَ فِي رأسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضاءَ. (انْظُر الحَدِيث ٣٥٤٧ وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا بالجعد) وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس.
والْحَدِيث قد مضى فِي صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ابْن بكير عَن اللَّيْث عَن خَالِد عَن سعيد عَن ربيعَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
(والبائن) المفرط المتجاوز حَده، والأمهق: هُوَ الَّذِي يضْرب بياضه إِلَى الزرقة، وَقيل: هُوَ الكريه الْبيَاض كلون الجص، يَعْنِي: كَانَ نير الْبيَاض، والجعد: هُوَ المنقبض الشّعْر كَهَيئَةِ الْحَبَش والزنج والقطط: شَدِيد الجعودة، والسبط بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتحهَا وسكونها: الَّذِي يسترسل شعره وَلَا ينكسر فِيهِ شَيْء لغلظه كشعر الهنود، وَبَقِيَّة الْكَلَام قد مرت عَن قريب.
٥٩٠١ - حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أبي إسْحاقَ قَالَ: سَمِعْتُ البَراءَ يَقُولُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute