بعد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فَضَائِل أُخْرَى لأبي بكر وَهِي قدم إِسْلَامه وَإِسْلَام أَبَوَيْهِ وَتردد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَيْهِ طرفِي النَّهَار وَكَثْرَة بكائه ورقة قلبه
٧٨ - (بابُ الصلَاةِ فِي مَسْجِدِ السُّوقِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الصَّلَاة فِي مَسْجِد السُّوق، ويروى فِي مَسَاجِد السُّوق، بِلَفْظ الْجمع، وَهِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَلَفظ الْإِفْرَاد رِوَايَة أبي ذَر، وَقَالَ الْكرْمَانِي: المُرَاد بالمساجد مَوَاضِع إِيقَاع الصَّلَاة لَا الْأَبْنِيَة الْمَوْضُوعَة للصَّلَاة من الْمَسَاجِد، فَكَأَنَّهُ قَالَ: بَاب الصَّلَاة فِي مَوَاضِع الْأَسْوَاق. وَقَالَ ابْن بطال: رُوِيَ أَن الْأَسْوَاق شَرّ الْبِقَاع، فخشي البُخَارِيّ أَن يُوهم من رأى ذَلِك الحَدِيث أَنه لَا تجوز الصَّلَاة فِي الْأَسْوَاق اسْتِدْلَالا بِهِ، فجَاء بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة، إِذْ فِيهِ إجَازَة الصَّلَاة فِي السُّوق وَإِذا جَازَت الصَّلَاة فِي السُّوق فُرَادَى فَكَانَ أولى أَن يتَّخذ فِيهِ مَسْجِد للْجَمَاعَة. وَقَالَ بَعضهم: موقع التَّرْجَمَة الْإِشَارَة إِلَى أَن الحَدِيث الْوَارِد فِي الْأَسْوَاق شَرّ الْبِقَاع، وَأَن الْمَسَاجِد خير الْبِقَاع، كَمَا أخرجه الْبَزَّار وَغَيره لَا يَصح إِسْنَاده، وَلَو صَحَّ لم يمْنَع وضع الْمَسْجِد فِي السُّوق لِأَن بقْعَة الْمَسْجِد حِينَئِذٍ تكون بقْعَة خير.
قلت: كل مِنْهُم قد تكلّف، أما الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ ارْتكب الْمجَاز من غير ضَرُورَة، وَأما ابْن بطال فَإِنَّهُ من أَيْن تحقق خشيَة البُخَارِيّ مِمَّا ذكره حَتَّى وضع هَذَا الْبَاب؟ وَأما الْقَائِل الثَّالِث فَإِنَّهُ أبعد جدا، لِأَنَّهُ من أَيْن علم أَن البُخَارِيّ أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا ذكره؟ وَالْأَوْجه أَن يُقَال: إِن البُخَارِيّ لما أَرَادَ أَن يُورد حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي فِيهِ الْإِشَارَة إِلَى أَن صَلَاة الْمُصَلِّي لَا تَخْلُو إِمَّا أَن تكون فِي الْمَسْجِد الَّذِي بني لَهَا، أَو فِي بَيته الَّذِي هُوَ منزله، أَو السُّوق، وضع بَابا فِيهِ جَوَاز الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الَّذِي فِي السُّوق، وَإِنَّمَا خص هَذَا بِالذكر من بَين الثَّلَاثَة لِأَنَّهُ لما كَانَ مَوضِع اللَّغط واشتغال النَّاس بِالْبيعِ وَالشِّرَاء وَالْإِيمَان الْكَثِيرَة فِيهِ بِالْحَقِّ وَالْبَاطِل، وَرُبمَا كَانَ يتَوَهَّم عدم جَوَاز الصَّلَاة فِيهِ من هَذِه الْجِهَات خصّه بِالذكر.
وصَلَّى ابنُ عَوْنٍ فِي مَسْجِدٍ فِي دَارٍ يُغْلَقُ عَلَيْهِمُ البَابُ.
لَيْسَ فِي التَّرْجَمَة مَا يُطَابق هَذَا الْأَثر. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَلَعَلَّ غَرَض البُخَارِيّ مِنْهُ الرَّد على الْحَنَفِيَّة حَيْثُ قَالُوا بامتناع اتِّخَاذ الْمَسَاجِد فِي الدَّار المحجوبة عَن النَّاس، وَنَقله بَعضهم فِي شَرحه معجباً بِهِ، قلت: جازف الْكرْمَانِي فِي هَذَا لِأَن الْحَنَفِيَّة لم يَقُولُوا هَكَذَا، بل الْمَذْهَب فِيهِ أَن من اتخذ مَسْجِدا فِي دَاره وأفرز طَرِيقه يجوز ذَلِك، وَيصير مَسْجِدا، فَإِذا أغلق بَابه وَصلى فِيهِ يجوز مَعَ الْكَرَاهَة، وَكَذَا الحكم فِي سَائِر الْمَسَاجِد.
وَابْن عون، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره نون: هُوَ عبد ابْن عون، وَقد تقدم فِي بَاب قَول النَّبِي: رب مبلغ ... . وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : كَذَا فِي نُسْخَة سَمَاعنَا، يَعْنِي أَنه ابْن عون، وَقَالَ ابْن الْمُنِير: ابْن عمر، قلت: قَالُوا إِنَّه تَصْحِيف، وَالصَّحِيح إِنَّه ابْن عون، وَكَذَا وَقع فِي الْأُصُول.
٧٧٤ - ح دّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدّثنا أبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمشِ عنْ أبي صالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَة عنِ النبيِّ قَالَ: صَلَاةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ وصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ خَمْساً وعِشْرِينَ دَرَجَةً فإِنَّ أحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فأحْسَنَ وَأتى المسْجِدَ لَا يُريدُ إلَاّ الصَّلَاةَ لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إلَاّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً أوَ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ وإذَا دَخَلَ المَسْجِدَ كانَ فِي صَلَاةٍ مَا كانَتْ تَحْبِسُهُ وَتُصلَّى يَعْني عَلَيْهِ المَلَائِكَةُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي فِيهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُوءْذِ يُحْدِثْ فِيهِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَصلَاته فِي سوقه) .
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة، كلهم قد ذكرُوا، وَأَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن حَازِم الضَّرِير، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان بن مهْرَان، وَأَبُو صَالح هُوَ ذكْوَان.
ذكر لطائف اسناده) فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي ومدني.