للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابْن هَارُون حَدثنَا أنس بن عون عَن ابْن سِيرِين عَن أبي الْعَجْفَاء السّلمِيّ، قَالَ: قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتل فِي سَبِيل الله أَو مَاتَ فَهُوَ فِي الْجنَّة. وَفِيه: دلَالَة على أَن من مَاتَ فِي طَرِيق الْجِهَاد من غير مُبَاشرَة ومشاهدة، لَهُ من الْأجر مثل مَا للمباشر، وَكَانَت النِّسَاء إِذا غزون يسقين المَاء ويداوين الكلمى ويصنعن لَهُم طعامهم وَمَا يصلحهم، فَهَذِهِ مُبَاشرَة. وَفِيه: أَن الْمَوْت فِي سَبِيل الله وَالْقَتْل سَوَاء، أَو قَرِيبا من السوَاء فِي الْفضل، قَالَه أَبُو عمر، قَالَ: وَإِنَّمَا قلت: أَو قَرِيبا من السوَاء، لاخْتِلَاف النَّاس فِي ذَلِك، فَمن أهل الْعلم من جعل الْمَيِّت فِي سَبِيل الله والمقتول سَوَاء، وَاحْتج بقوله تَعَالَى: {وَالَّذين هَاجرُوا فِي سَبِيل الله ثمَّ قتلوا أَو مَاتُوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا} (الْحَج: ٨٥) . وَبِقَوْلِهِ: {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فقد وَقع أجره على الله} (النِّسَاء: ٠٠١) . وَبِقَوْلِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث عبد الله بن عتِيك: (من خرج مُجَاهدًا فِي سَبِيل الله فخرَّ عَن دَابَّته أَو لدغته حَيَّة أَو مَاتَ حتف أَنفه فقد وَقع أجره على الله) وَفِي مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة، يرفعهُ: من قتل فِي سَبِيل الله فَهُوَ شَهِيد، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث بَقِيَّة عَن عبد الرَّحْمَن بن ثَابت بن ثَوْبَان عَن أَبِيه عَن مَكْحُول عَن ابْن غنم عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وقصه فرسه أَو بعيره أَو لدغته هَامة أَو مَاتَ على فرَاشه، على أَي حتف شَاءَ الله، فَهُوَ شَهِيد، وَأخرجه الْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم، وَذكر الْحلْوانِي فِي (كتاب الْمعرفَة) ، فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو عَليّ الْحَنَفِيّ حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، قَالَ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: من حَبسه السُّلْطَان، وَهُوَ ظَالِم لَهُ، وَمَات فِي محبسه ذَلِك فَهُوَ شَهِيد، وَمن ضربه السُّلْطَان ظَالِما فَمَاتَ من ضربه ذَلِك فَهُوَ شَهِيد، وكل موت يَمُوت بِهِ الْمُسلم فَهُوَ شَهِيد، غير أَن الشَّهَادَة تتفاضل. وروى الْحَاكِم من حَدِيث كَعْب بن عجْرَة، قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر يَوْم بدر، وَرَأى قَتِيلا: يَا عمر! إِن للشهداء سادة وأشرافاً وملوكاً، وَإِن هَذَا مِنْهُم. وَاخْتلفُوا فِي شَهِيد الْبَحْر: أهوَ أفضل أم شَهِيد الْبر؟ فَقَالَ قوم: شَهِيد الْبر، وَقَالَ قوم: شَهِيد الْبَحْر، قَالَ أَبُو عمر: وَلَا خلاف بَين أهل الْعلم أَن الْبَحْر إِذا ارتج لم يجز ركُوبه لأحد بِوَجْه من الْوَجْه، فِي حِين ارتجاجه، وَالَّذين رجحوا: شَهِيد الْبَحْر، احْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ ابْن أبي عَاصِم فِي كتاب الْجِهَاد عَن الْحسن ابْن الصَّباح، حَدثنَا يحيى بن عباد حَدثنَا يحيى بن عبد الْعَزِيز عَن عبد الْعَزِيز بن يحيى حَدثنَا سعيد بن صَفْوَان عَن عبد الله ابْن الْمُغيرَة بن عبد الله بن أبي بردة: سَمِعت عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الشَّهَادَة تكفر كل شَيْء إلَاّ الدّين، والغزو فِي الْبَحْر يكفر ذَلِك كُله. وَمن حَدِيث عبد الله بن صَالح عَن يحيى بن أَيُّوب عَن يحيى بن سعيد عَن عَطاء بن يسَار عَن ابْن عَمْرو مَرْفُوعا: غَزْوَة فِي الْبَحْر خير من عشر غزوات فِي الْبر، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث يعلى بن شَدَّاد عَن أم حرَام عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: الْمَائِدَة فِي الْبَحْر الَّذِي يُصِيبهُ الْقَيْء وَله أجر شَهِيد، وَالْغَرق لَهُ أجر شهيدين. وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي الدَّرْدَاء أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: غَزْوَة فِي الْبَحْر مثل عشر غزوات فِي الْبر، وَالَّذِي يسدر فِي الْبَحْر كالمتشحط فِي دَمه فِي سَبِيل الله. وروى ابْن مَاجَه أَيْضا من حَدِيث سليم بن عَامر، قَالَ: سَمِعت أَبَا أُمَامَة يَقُول: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: شَهِيد الْبَحْر مثل شهيدين فِي الْبر، والمائد فِي الْبَحْر كالمتشحط فِي دَمه فِي الْبر، وَمَا بَين الموجتين كقاطع الدِّينَا فِي طَاعَة الله تَعَالَى، فَإِن الله وكل ملك لمَوْت بِقَبض الْأَرْوَاح إلَاّ شَهِيد الْبَحْر، فَإِنَّهُ يتَوَلَّى قبض أَرْوَاحهم وَيغْفر لشهيد الْبر الذُّنُوب كلهَا إلَاّ الدَّين، ولشهيد الْبَحْر الذُّنُوب والدَّين. قَوْله: المائد هُوَ الَّذِي يدار بِرَأْسِهِ من ريح الْبَحْر واضطراب السَّفِينَة بالأمواج. قَوْله: (الْغَرق) ، بِكَسْر الرَّاء: الَّذِي يَمُوت بِالْغَرَقِ، وَقيل: هُوَ الَّذِي غَلبه المَاء وَلم يغرق: فَإِذا غرق فَهُوَ غريق. قَوْله: (الْغَرق) ، بِكَسْر الرَّاء: الَّذِي يَمُوت بِالْغَرَقِ، وَقيل: هُوَ الَّذِي غَلبه المَاء وَلم يغرق: فَإِذا غرق فَهُوَ غريق. قَوْله: (وَالَّذِي يسدر) ، من السدر، بِالتَّحْرِيكِ: كالدوار، وَكَثِيرًا مَا يعرض لراكب الْبَحْر، يُقَال: سدر يسدر سدراً. قَوْله: (كالمتشحط فِي دَمه) ، وَهُوَ الَّذِي يتمرغ ويضطرب ويتخبط فِي دَمه.

٤ - (بابُ دَرَجَاتِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ الله)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان دَرَجَات الْمُجَاهدين فِي سَبِيل الله، والمجاهد فِي سَبِيل الله هُوَ الَّذِي يُجَاهد لإعلاء كلمة الله ونصرة الدّين من غير الْتِفَات إِلَى الدُّنْيَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>