وفْق فَقَالَ: ترك الْقَضَاء إِذا لم يعلم، وَوَقع الْفطر على الشَّك، وَالْقَضَاء فِيمَا إِذا وَقع الْفطر فِي النَّهَار بِغَيْر شكّ، وَهُوَ خلاف ظَاهر الْأَثر. وَفِي (الْمَبْسُوط) فِي حَدِيث عمر، بَعْدَمَا أفطر: وَقد صعد الْمُؤَذّن المأذنة، قَالَ: الشَّمْس يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ! قَالَ: بعثناك دَاعيا وَلم نبعثك رَاعيا، مَا تجانفنا الْإِثْم، وَقَضَاء يَوْم علينا يسير. وروى الْبَيْهَقِيّ أَن صهيبا أفطر فِي رَمَضَان فِي يَوْم غيم، فطلعت الشَّمْس فَقَالَ: طعمة الله، أَتموا صِيَامكُمْ إِلَى اللَّيْل واقضوا يَوْمًا مَكَانَهُ وَفِي (الْأَشْرَاف) اخْتلفُوا فِي الَّذِي أكل وَهُوَ لَا يعلم بِطُلُوع الْفجْر ثمَّ علم بِهِ فَقَالَت طَائِفَة يتم صَوْمه وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ، رُوِيَ هَذَا القَوْل عَن مُحَمَّد بن سِيرِين وَسَعِيد بن جُبَير، وَبِه قَالَ مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو حنيفَة، وَحكي عَن إِسْحَاق أَنه: لَا قَضَاء عَلَيْهِ وَأحب إِلَيْنَا أَن نقضيه.
قَوْله: (وَقَالَ معمر) ، بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد الْأَزْدِيّ الْحَرَّانِي الْبَصْرِيّ، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد بن حميد، قَالَ: أخبرنَا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر سَمِعت هِشَام بن عُرْوَة فَذكر الحَدِيث، وَفِي آخِره، فَقَالَ إِنْسَان لهشام: أقضوا أم لَا؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي، وَالله أعلم.
٧٤ - (بابُ صَوْمَ الصِّبْيَانِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صَوْم الصّبيان: هَل يشرع أم لَا؟ وَالْجُمْهُور على أَنه لَا يجب على من دون الْبلُوغ، وَاسْتحبَّ جمَاعَة من السّلف، مِنْهُم ابْن سِيرِين وَالزهْرِيّ، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي: أَنهم يؤمرون بِهِ للتمرين عَلَيْهِ إِذا أطاقوه، وحد ذَلِك عِنْد أَصْحَاب الشَّافِعِي بالسبع وَالْعشر كَالصَّلَاةِ، وَعند إِسْحَاق: حَده اثْنَتَيْ عشرَة سنة، وَعند أَحْمد فِي رِوَايَة: عشر سِنِين، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: إِذا أطَاق صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام تباعا لَا يضعف فِيهِنَّ حمل على الصَّوْم، وَالْمَشْهُور عِنْد الْمَالِكِيَّة: أَنه لَا يشرع فِي حق الصّبيان. وَقَالَ ابْن بطال: أجمع الْعلمَاء أَنه لَا تلْزم الْعِبَادَات والفرائض إلَاّ عِنْد الْبلُوغ، إلَاّ أَن أَكثر الْعلمَاء استحسنوا تدريب الصّبيان على الْعِبَادَات رَجَاء الْبركَة، وَأَنَّهُمْ يعتادونها فتسهل عَلَيْهِم إِذا ألزمهم، وَأَن من فعل ذَلِك بهم مأجور. وَفِي (الْأَشْرَاف) : اخْتلفُوا فِي الْوَقْت الَّذِي يُؤمر فِيهِ الصَّبِي بالصيام، فَكَانَ ابْن سِيرِين وَالْحسن وَالزهْرِيّ وَعَطَاء وَعُرْوَة وَقَتَادَة وَالشَّافِعِيّ يَقُولُونَ: يُؤمر بِهِ إِذا أطاقه، وَنقل عَن الْأَوْزَاعِيّ مثل مَا ذكرنَا الْآن، وَاحْتج بِحَدِيث ابْن أبي لَبِيبَة عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (إِذا صَامَ الْغُلَام ثَلَاثَة أَيَّام متتابعة فقد وَجب عَلَيْهِ صِيَام رَمَضَان) . وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: إِذا طاقوا الصّيام ألزموه، فَإِذا أفطروا بِغَيْر عذر وَلَا عِلّة فَعَلَيْهِم الْقَضَاء. وَقَالَ أَشهب: يسْتَحبّ لَهُم إِذا أطاقوه. وَقَالَ عُرْوَة: إِذا أطاقوا الصَّوْم وَجب عَلَيْهِم. قَالَ عِيَاض: وَهَذَا غلط يردهُ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة) ، فَذكر: الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم، وَفِي رِوَايَة: (حَتَّى يبلغ) .
وَقَالَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ لِنَشْوَانَ فِي رَمَضَانَ وَيْلَكَ وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ فَضَرَبَهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وصبياننا صِيَام) ، وَإِنَّمَا كَانُوا يصومونهم لأجل التمرين ليتعودوا بذلك ويكونوا على نشاط بذلك بعد الْبلُوغ. قَوْله: (لنشوان) ، أَي: لرجل سَكرَان، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة، من نشى الرجل من الشَّرَاب نشوا ونشوة، وتنشى وانتشى كُله: سكر، وَرجل نشوان ونشيان على الْعَاقِبَة، وَالْأُنْثَى نشواء، وَجمعه نشاوى كسكارى، وَزَاد الْقَزاز: وَالْجمع النشوات، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَهُوَ نش، وَامْرَأَة نشئة ونشوانة، وفعلانة قَلِيل إلَاّ فِي بني أَسد، هَكَذَا ذكر الْفراء، وَفِي (نَوَادِر اللحياني) : يُقَال: نشئت من الشَّرَاب أنشأ نشوة ونشوة، وَقَالَ ابْن خالويه: سكر الرجل وانتشى، وثمل ونزف وانزف، فَهُوَ سَكرَان ونشوان، وَقَالَ ابْن التِّين: النشوان السكر الْخَفِيف، قيل: كَأَنَّهُ من كَلَام المولدين. قَوْله: (صِيَام) جمع صَائِم، ويروى: (صوام) ، ثمَّ هَذَا التَّعْلِيق وَهُوَ أثر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصله سعيد بن مَنْصُور وَالْبَغوِيّ فِي: الجعديات، من طَرِيق عبد الله بن أبي الهدير (أَن عمر بن الْخطاب أَتَى بِرَجُل شرب الْخمر فِي رَمَضَان، فَلَمَّا دنا مِنْهُ جعل يَقُول: للمنخرين والفم) ، وَفِي رِوَايَة الْبَغَوِيّ: (فَلَمَّا رفع إِلَيْهِ عثر، فَقَالَ عمر: على وَجهك وَيحك وصبياننا صِيَام؟ . ثمَّ أَمر فَضرب ثَمَانِينَ سَوْطًا، ثمَّ سيره إِلَى الشَّام) . وَفِي رِوَايَة الْبَغَوِيّ: (فَضَربهُ الْحَد وَكَانَ إِذا غضب على إِنْسَان سيره إِلَى الشَّام فسيره إِلَى الشَّام) وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: من شرب الْخمر فِي رَمَضَان ضرب مائَة. انْتهى. هَذَا كَانَ فِي مُسْتَنده مَا ذكره سُفْيَان عَن عَطاء بن أبي مَرْوَان، عَن أَبِيه أَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَتَى بالنجاشي الشَّاعِر، وَقد شرب الْخمر فِي رَمَضَان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute