المراة وَالْمَرْأَة بِفضل الرجل، وَلَكِن يشرعان جَمِيعًا) ، وَأخرجه الطَّحَاوِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَرُوِيَ أَيْضا من حَدِيث الحكم الْغِفَارِيّ، قَالَ:(نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتَوَضَّأ الرجل بِفضل الْمَرْأَة أَو بسؤر الْمَرْأَة، لَا يدْرِي أَبُو حَاجِب أَيهمَا قَالَ) . وَأَبُو حَاجِب هُوَ الَّذِي روى عَن الحكم، وَاسم أبي حَاجِب: سوَادَة بن عَاصِم الْعَنزي. وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه والطَّحَاوِي، وَرُوِيَ أَيْضا عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ:(كنت لقِيت من صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَمَا صَحبه أَبُو هُرَيْرَة أَربع سِنِين، قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، فَذكر مثله، أخرجه الطَّحَاوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة. قلت: نقل عَن الإِمَام أَحْمد أَن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي منع التطهر بِفضل الْمَرْأَة، وَفِي جَوَاز ذَلِك مضطربة، قَالَ: لَكِن صَحَّ من الصَّحَابَة الْمَنْع فِيمَا إِذا دخلت بِهِ، وَلَكِن يُعَارض هَذَا مَا رُوِيَ بِصِحَّة الْجَوَاز عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ.
وَأشهر الْأَحَادِيث عِنْد المانعين: حَدِيث عبد الله ابْن سرجس، وَحَدِيث حكم الْغِفَارِيّ. وَأما حَدِيث عبد الله بن سرجس، فَإِنَّهُ رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفاً. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: الْمَوْقُوف أولى بِالصَّوَابِ، وَقد قَالَ البُخَارِيّ: أَخطَأ من رَفعه. قلت: الحكم للرافع، لِأَنَّهُ زَاد: والراوي قد يُفْتِي بالشَّيْء ثمَّ يرويهِ مرّة أُخْرَى، وَيجْعَل الْمَوْقُوف فَتْوَى فَلَا يُعَارض الْمَرْفُوع، وَصَححهُ ابْن حزم مَرْفُوعا من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار الَّذِي فِي مُسْنده، والشيخان أخرجَا لَهُ، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة، فَلَا يضرّهُ وقف من وَقفه. وَتوقف ابْن الْقطَّان فِي تَصْحِيحه لِأَنَّهُ لم يره إلَاّ فِي كتاب الدَّارَقُطْنِيّ، وَشَيخ الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ لَا يعرف حَاله. قلت: شَيْخه فِيهِ عبد الله بن مُحَمَّد بن سعد المَقْبُري، وَلَو رَآهُ عِنْد ابْن مَاجَه أَو عِنْد الطَّحَاوِيّ لما توقف، لَان ابْن مَاجَه رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن المعلي بن أَسد، والطَّحَاوِي رَوَاهُ مُحَمَّد بن خُزَيْمَة، وهما مشهوران. وَأما حَدِيث الحكم الْغِفَارِيّ، فَقَالَت جمَاعَة من أهل الحَدِيث، إِن هَذَا الحَدِيث لَا يَصح، وَأَشَارَ الْخطابِيّ أَيْضا إِلَى عدم صِحَّته، وَقَالَ ابْن مَنْدَه: لَا يثبت من جِهَة السَّنَد. قلت: لما أخرجه التِّرْمِذِيّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن، وَرجحه ابْن مَاجَه على حَدِيث عبد الله بن سرجس، وَصَححهُ ابْن حبَان وَأَبُو مُحَمَّد الْفَارِسِي، وَالْقَوْل قَول من صَححهُ لَا من ضعفه، لِأَنَّهُ مُسْند ظَاهره السَّلامَة من تضعف وَانْقِطَاع، وَقَالَ ابْن قدامَة: الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَاحْتج بِهِ، وتضعيف البُخَارِيّ لَهُ بعد ذَلِك لَا يقبل لاحْتِمَال أَن يكون وَقع لَهُ من غير طَرِيق صَحِيح، وَيرد بِهَذَا أَيْضا قَول النَّوَوِيّ: اتّفق الْحفاظ على تَضْعِيفه.
الثَّالِث من الْأَحْكَام أَن ظَاهر الحَدِيث يدل على جَوَاز تنَاول الرِّجَال وَالنِّسَاء المَاء فِي حَالَة وَاحِدَة، وَحكى ابْن التِّين عَن قوم: أَن الرِّجَال وَالنِّسَاء كَانُوا يتوضؤون جَمِيعًا من إِنَاء وَاحِد، هَؤُلَاءِ على حِدة وَهَؤُلَاء على حِدة. قلت: الزِّيَادَة فِي الحَدِيث وَهُوَ قَوْله: (من إِنَاء وَاحِد) يرد عَلَيْهِم، وَكَأَنَّهُم استبعدوا إجتماع الرِّجَال وَالنِّسَاء الأجنبيات، وَأجَاب ابْن التِّين عَن ذَلِك بِمَا حَكَاهُ عَن سَحْنُون أَن مَعْنَاهُ كَانَ الرِّجَال يتوضؤون ويذهبون، ثمَّ تَأتي النِّسَاء فيتوضأن. قلت: هَذَا خلاف الَّذِي يدل عَلَيْهِ جَمِيعًا، وَمَعَ هَذَا جَاءَ صَرِيحًا وحدة الْإِنَاء فِي (صَحِيح ابْن خُزَيْمَة) فِي هَذَا الحَدِيث من طَرِيق مُعْتَمر عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا:(أَنه أبْصر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه يتطهرون، وَالنِّسَاء مَعَهم، من إِنَاء وَاحِد كلهم يتطهرون مِنْهُ) . قيل: وَلنَا أَن نقُول: مَا كَانَ مَانع من ذَلِك قبل نزُول آيَة الْحجاب، وَأما بعده فَيخْتَص بالزوجات والمحارم، وَفِيه نظر، وَالله تَعَالَى أعلم.
٤٤ - (بابُ صَبِّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَضوءَهُ علَى المُغْمَى عَلَيهِ)
أَي: هَذَا فِي بَيَان صب النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وضوء، بِفَتْح الْوَاو: وَهُوَ المَاء الَّذِي تَوَضَّأ بِهِ على من أُغمي عَلَيْهِ، يُقَال: أُغمي عَلَيْهِ، بِضَم الْهمزَة، فَهُوَ مغمى عَلَيْهِ، وغمي بِضَم الْغَيْن وَتَخْفِيف الْمِيم فَهُوَ مغمى عَلَيْهِ، بِصِيغَة الْمَفْعُول، لِأَن أَصله مغموي على وزن: مفعول، اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا بِالسُّكُونِ فقلبت يَاء، ثمَّ أدغمت الْيَاء فِي الْيَاء، فَصَارَ: مغمى، بِضَم الْمِيم الثَّانِيَة وَتَشْديد الْيَاء، ثمَّ أبدلت من ضمة الْمِيم كسرة لأجل الْيَاء، فَصَارَ مغمى، وَالْإِغْمَاء والغشي بِمَعْنى وَاحِد. قَالَه الْكرْمَانِي: وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن الغشي مرض يحصل من طول التَّعَب، وَهُوَ أخف من الْإِغْمَاء، وَالْفرق بَينه وَبَين الْجُنُون وَالنَّوْم أَن الْعقل يكون فِي الْإِغْمَاء مَغْلُوبًا، وَفِي الْجُنُون يكون مسلوباً، وَفِي النّوم يكون مَسْتُورا.
والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا نوعا من الْوضُوء.