وَالْخطْبَة. ثمَّ نقل عَن أَكثر الْعلمَاء أَن الْإِنْصَات وَاجِب على من سَمعهَا وَمن لم يسْمعهَا، وَأَنه قَول مَالك، وَقد قَالَ عُثْمَان: للمنصت الَّذِي لَا يسمع من الْأجر مثل مَا للمنصت الَّذِي يسمع. وَكَانَ عُرْوَة لَا يرى بَأْسا بالْكلَام إِذا لم يسمع الْخطْبَة. وَقَالَ أَحْمد: لَا بَأْس أَن يذكر الله وَيقْرَأ من لم يسمع الْخطْبَة. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: لَا خلاف عَلمته بَين فُقَهَاء الْأَمْصَار فِي وجوب الْإِنْصَات لَهَا على من سَمعهَا.
وَاخْتلف فِيمَن لم يسْمعهَا. قَالَ: وَجَاء فِي هَذَا الْمَعْنى خلاف عَن بعض التَّابِعين، فَروِيَ عَن الشّعبِيّ وَسَعِيد ابْن جُبَير وَالنَّخَعِيّ وَابْن بردة: أَنهم كَانُوا لَا يَتَكَلَّمُونَ وَالْإِمَام يخْطب إِلَّا فِي قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الْخطْبَة خَاصَّة، لقَوْله تَعَالَى:{فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا}(الْأَعْرَاف: ٢٠٤) . وفعلهم مَرْدُود عِنْد أهل الْعلم، وَأحسن أَحْوَالهم أَنهم لم يبلغهم الحَدِيث فِي ذَلِك، وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(إِذا قلت لصاحبك أنصت. .) الحَدِيث، لِأَنَّهُ حَدِيث انْفَرد بِهِ أهل الْمَدِينَة، وَلَا علم لمتقدمي أهل الْعرَاق بِهِ، وَقَالَ ابْن قدامَة: وَكَانَ سعيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم بن مهَاجر وَأَبُو بردة وَالنَّخَعِيّ وَالشعْبِيّ يَتَكَلَّمُونَ وَالْحجاج يخْطب. انْتهى. وَقَالَ أَصْحَابنَا: إِذا اشْتغل الإِمَام بِالْخطْبَةِ يَنْبَغِي للمستمع أَن يجْتَنب مَا يجتبه فِي الصَّلَاة لقَوْله عز وَجل: {فَاسْتَمعُوا إِلَيْهِ وأنصتوا}(الْأَعْرَاف: ٢٠٤) . وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(إِذا قلت لصاحبك أنصت. .) الحَدِيث، فَإِذا كَانَ كَذَلِك يكره لَهُ رد السَّلَام وتشميت الْعَاطِس إلاّ فِي قَول جَدِيد للشَّافِعِيّ: إِنَّه يرد ويشمت، وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام: وَالأَصَح أَنه يشمت، وَفِي (المجتبي) : قيل: وجوب الِاسْتِمَاع مَخْصُوص بِزَمن الْوَحْي، وَقيل: فِي الْخطْبَة الأولى دون الثَّانِيَة لما فِيهَا من مدح الظلمَة، وَعَن أبي حنيفَة: إِذا سلم عَلَيْهِ يردهُ بِقَلْبِه، وَعَن أبي يُوسُف: يرد السَّلَام ويشمت الْعَاطِس فِيهَا، وَعَن مُحَمَّد: يرد ويشمت بعد الْخطْبَة وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قلبه، وَاخْتلف الْمُتَأَخّرُونَ فِيمَن كَانَ بَعيدا لَا يسمع الْخطْبَة، فَقَالَ مُحَمَّد بن سَلمَة: الْمُخْتَار السُّكُوت وَهُوَ الْأَفْضَل، وَبِه قَالَ بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي. وَقَالَ نصر بن يحيى: يسبخ وَيقْرَأ الْقُرْآن، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. وَأَجْمعُوا أَنه لَا يتَكَلَّم. وَقيل: الِاشْتِغَال بِالذكر وَقِرَاءَة الْقُرْآن أفضل من السُّكُوت. وَأما دراسة الْفِقْه وَالنَّظَر فِي كتب الْفِقْه وكتابته، فَقيل: يكره، وَقيل: لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام: الِاسْتِمَاع إِلَى خطْبَة النِّكَاح والختم وَسَائِر الْخطب وَاجِب، وَفِي (الْكَامِل) : وَيَقْضِي الْفجْر إِذا ذكره فِي الْخطْبَة وَلَو تغذى بعد الْخطْبَة أَو جَامع فاغتسل يُعِيد الْخطْبَة، وَفِي الْوضُوء فِي بَيته لَا يُعِيد.