هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس أخرجه عَن حسان على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ ابْن حسان أبي على الْبَصْرِيّ، سكن مَكَّة من أَفْرَاد البُخَارِيّ، يروي عَن همام بن يحيى عَن قَتَادَة عَن أنس بن مَالك.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة وَفِي الْفَضَائِل عَن هَدِيَّة بن خَالِد، وَهنا قَالَ: إِن الله أَمرنِي أَن أَقرَأ عَلَيْك الْقُرْآن وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة أَن الله أَمرنِي أَن أَقرَأ عَلَيْك {لم يكن الَّذين كفرُوا}(الْبَيِّنَة: ١) وَهنا قَالَ أَيْضا فانبئت أَنه قَرَأَ عَلَيْهِ {لم يكن الَّذين كفرُوا} وَهَذَا يدل على أَن قَتَادَة لم يحمل نسمية السُّورَة عَن أنس، وَفِي حَدِيث سعيد بن أبي عرُوبَة الْآتِي لم يبين شَيْئا من ذَلِك، وَهَذِه الطّرق الثَّلَاثَة كلهَا عَن قَتَادَة، وَيُمكن أَن يُقَال: إِن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله أَمرنِي أَن أَقرَأ عَلَيْك الْقُرْآن، مُطلق يتَنَاوَل {لم يكن الَّذين كفرُوا} وَغَيرهَا. وَقَول قَتَادَة: فأنبئت إِلَى آخِره يدل ظَاهرا أَنه بلغه من غير أنس أَن الَّذِي أمره أَن يقْرَأ على أبي هُوَ: {لم يكن الَّذين كفرُوا} ثمَّ إِنَّه كَانَ عاود أنس بن مَالك فَأخْبرهُ بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره الله تَعَالَى أَن يقْرَأ على أبي: {لم يكن الَّذين كفرُوا} فَحمل حِينَئِذٍ عَن أنس مَا بلغه من غَيره، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُنَا قَالَ: أقريك الْقُرْآن، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى حَدِيث سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة الْآتِي عقيب الحَدِيث الْمَذْكُور، وَفِي الحَدِيث السَّابِق: أَقرَأ عَلَيْك الْقُرْآن. قلت: الْقِرَاءَة عَلَيْهِ نوع من أقرائه وَبِالْعَكْسِ، قَالَ فِي (الصِّحَاح) فلَان قَرَأَ عَلَيْك السَّلَام وأقرأك السَّلَام بِمَعْنى، وَقد يُقَال أَيْضا: كَانَ فِي قِرَاءَته قُصُور فَأمر الله تَعَالَى رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن يقرئه على التجويد وَيقْرَأ عَلَيْهِ ليتعلم مِنْهُ حسن الْقِرَاءَة وجودتها، وَلَو صَحَّ هَذَا القَوْل كَانَ اجْتِمَاع الْأَمريْنِ الْقِرَاءَة عَلَيْهِ والإقراء ظَاهرا. وَقَالَ النَّوَوِيّ، رَحمَه الله: وَاخْتلفُوا فِي الْحِكْمَة فِي قِرَاءَته عَلَيْهِ، وَالْمُخْتَار أَن سَببهَا أَن تستن الْأمة بذلك فِي الْقِرَاءَة على أهل الْفضل، لَا يأنف أحد من ذَلِك، وَقيل: للتّنْبِيه على حَلَاله، أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وأهليته لأخذ الْقُرْآن عَنهُ، وَكَانَ بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأْسا وإماما فِي الْقُرْآن، وَلَا يعلم أحد من النَّاس شَاركهُ فِيهِ، وَيذكر الله لَهُ فِي هَذِه الْمنزلَة الرفيعة، وَأما وَجه تَخْصِيص هَذِه السُّورَة فَلَمَّا فِيهَا من ذكر المعاش من بَيَان أَحْوَال الدّين من التَّوْحِيد والرسالة، وَمَا ثَبت بِهِ الرسَالَة من المعجزة الَّتِي هِيَ الْقُرْآن وفروعه من الْعِبَادَة وَالْإِخْلَاص، وَذكر معادهم من الْجنَّة وَالنَّار، وتقسيمهم إِلَى السُّعَدَاء والأشقياء، وَخير الْبَريَّة وشرهم وأحوالهم قبل الْبعْثَة وَبعدهَا مَعَ وجازة السُّورَة فَإِنَّهَا من قصار الْمفصل.