أَمْوَالهم أَثمَان الْخُمُور والخنازير، وهم يتعاملون بالربا أبين الدّلَالَة على أَن من كَانَ من أهل الْإِسْلَام بِيَدِهِ مَال لَا يدْرِي أَمن حرَام كَسبه أَو من حَلَال؟ فَإِنَّهُ لَا يحرم قبُوله لمن أعطَاهُ، وَإِن كَانَ مِمَّن لَا يُبَالِي اكْتَسبهُ من غير حلّه بعد أَن لَا يعلم أَنه حرَام بِعَيْنِه، وَبِنَحْوِ ذَلِك قَالَت الْأَئِمَّة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَمن كرهه فَإِنَّمَا ركب فِي ذَلِك طَرِيق الْوَرع وتجنب الشُّبُهَات والاستبراء لدينِهِ.
وَمن فَوَائِد الحَدِيث الْمَذْكُور أَن للْإِمَام أَن يُعْطي الرجل وَغَيره أحْوج إِلَيْهِ مِنْهُ إِذا رأى لذَلِك وَجها، وَأَن مَا جَاءَ من المَال الْحَلَال من غير سُؤال فَإِن أَخذه خير من تَركه، وَإِن رد عَطاء الإِمَام لَيْسَ من الْأَدَب، وَقَالَ النَّوَوِيّ: اخْتلفُوا فِيمَن جَاءَهُ مَال: هَل يجب قبُوله؟ الصَّحِيح الْمَشْهُور أَنه يسْتَحبّ فِي غير عَطِيَّة السُّلْطَان، وَأما عطيته فَالصَّحِيح أَنه إِن غلب الْحَرَام فِيمَا فِي يَده فَحَرَام، وإلَاّ فمباح وَقَالَت طَائِفَة: الْأَخْذ وَاجِب من السُّلْطَان لقَوْله تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} (الْحَشْر: ٧) . فَإِذا لم يَأْخُذهُ فَكَأَنَّهُ لم يأتمر. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: لَيْسَ معنى هَذَا الحَدِيث فِي الصَّدقَات، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَمْوَال الَّتِي يقسمها الإِمَام على أَغْنِيَاء النَّاس وفقرائهم، فَكَانَت تِلْكَ الْأَمْوَال يعطاها النَّاس لَا من جِهَة الْفقر، وَلَكِن من حُقُوقهم فِيهَا، فكره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر حِين أعطَاهُ قَوْله: (أعْطه من هُوَ أفقر إِلَيْهِ مني) لِأَنَّهُ إِنَّمَا أعطَاهُ لِمَعْنى غير الْفقر، ثمَّ قَالَ لَهُ: خُذْهُ فتموله، كَذَا رَوَاهُ شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ، فَدلَّ أَن ذَلِك لَيْسَ من أَمْوَال الصَّدقَات، لِأَن الْفَقِير لَا يَنْبَغِي أَن يَأْخُذهُ من الصَّدقَات مَا يَتَّخِذهُ مَالا كَانَ عَن مَسْأَلَة أَو غير مَسْأَلَة.
٢٥ - (بابُ مَنْ سَألَ النَّاسَ تَكَثُّرا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من سَأَلَ النَّاس لأجل التكثر، وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف تَقْدِيره: من سَأَلَ النَّاس لأجل التكثر فَهُوَ مَذْمُوم، وَوجه الْحَذف قد ذَكرْنَاهُ فِي تَرْجَمَة الْبَاب السَّابِق. قيل: حَدِيث الْمُغيرَة فِي النَّهْي عَن كَثْرَة السُّؤَال الَّذِي أوردهُ فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ أصرح فِي مَقْصُود التَّرْجَمَة من حَدِيث الْبَاب، وَإِنَّمَا آثره عَلَيْهِ لِأَن من عَادَته أَن يترجم بالأخفى. قلت: دلَالَة حَدِيث الْبَاب على السُّؤَال تكثرا غير خُفْيَة، لِأَن قَوْله: (لَا يزَال الرجل يسْأَل النَّاس) يدل على كَثْرَة السُّؤَال، وَكَثْرَة السُّؤَال لَا تكون إلَاّ لأجل التكثر على مَا لَا يخفى، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا، أَو لاحْتِمَال أَن يكون المُرَاد بالسؤال فِي حَدِيث الْمُغيرَة النَّهْي عَن الْمسَائِل المشكلة كالأغلوطات. أَو السُّؤَال عَمَّا لَا يَعْنِي، أَو عَمَّا لم يَقع مِمَّا يكره وُقُوعه؟ قلت: هَذَا الْوَجْه بَيَان اعتذار من جِهَة البُخَارِيّ فِي تَركه حَدِيث الْمُغيرَة فِي هَذَا الْبَاب، وَلَكِن الْوُجُوه الثَّلَاثَة الَّتِي زعم أَن حَدِيث الْمُغيرَة فِي قَوْله (وَكَثْرَة السُّؤَال) تحتملها فِيهِ نظر، لِأَنَّهَا دَاخِلَة تَحت قَوْله: (قيل، وَقَالَ) وَقَوله: (وَكَثْرَة السُّؤَال) تمحض لسؤال النَّاس لأجل التكثر، وَفِيه زِيَادَة فَائِدَة على مَا لَا يخفى، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَأَشَارَ مَعَ ذَلِك إِلَى حَدِيث لَيْسَ على شَرطه، وَهُوَ مَا أخرجه التِّرْمِذِيّ من طَرِيق حُبَيْش بن جُنَادَة فِي أثْنَاء حَدِيث مَرْفُوع، وَفِيه: (من سَأَلَ النَّاس ليثري مَاله كَانَ خموشا فِي وَجهه يَوْم الْقِيَامَة، فَمن شَاءَ فليقلَّ وَمن شَاءَ فليكثر) . قلت: لَا نسلم أَولا وَجه هَذِه الْإِشَارَة، وَلَئِن سلمنَا فَلَا فَائِدَة فِيهَا إِذْ الْوَاقِف على هَذِه التَّرْجَمَة إِن كَانَ قد وقف على حَدِيث حُبَيْش قبل ذَلِك فَلَا فَائِدَة فِي الْإِشَارَة إِلَيْهِ، وإلَاّ فَيحْتَاج فِيهِ إِلَى الْعلم من الْخَارِج فَلَا يكون ذَلِك من إِشَارَته إِلَيْهِ، وَقَالَ بَعضهم عطيب كَلَام هَذَا الْقَائِل: وَفِي (صَحِيح مُسلم) من طَرِيق أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة مَا هُوَ مُطَابق للفظ التَّرْجَمَة، فاحتمال كَونه أَشَارَ إِلَيْهِ أولى، وَلَفظه: (من سَأَلَ النَّاس تكثرا فَإِنَّمَا يسْأَل جمرا) قلت: هَذَا الَّذِي ذكره أَنما يتَوَجَّه إِذا كَانَ البُخَارِيّ قد وقف عَلَيْهِ، وَلَئِن سلمنَا وُقُوفه عَلَيْهِ فَلَا نسلم الْتِزَامه أَن تكون الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة، والْحَدِيث من كل وَجه على مَا لَا يخفى.
٤٧٤١ - حدَّثنا يَحْيى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ أبي جَعْفرٍ قَالَ سَمِعْتُ حَمزةَ بنَ عَبدِ الله بنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يَزالُ الرَّجُلُ يَسألُ حَتى يَأتِي يومُ القِيَامَةِ لَيسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ. وقَالَ إنَّ الشَّمْسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute