للْمُسلمِ أَن يشهر نَفسه فِي الْخَيْر وَلَا فِي الشَّرّ، قَالُوا: وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ إِذا فعل شَيْئا لله تَعَالَى أَن يخفيه عَن النَّاس: {إِن الله لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء} (آل عمرَان: ٥) . رُوِيَ هَذَا عَن بُرَيْدَة الْأَسْلَمِيّ.
وَالصَّوَاب مَعَ الْفَرِيق الأول: أَنه لَا بَأْس بالتسويم والأعلام فِي الْحَرْب إِذا فعله من هُوَ من أهل الْبَأْس والشدة والنجدة، وَهُوَ قَاصد بذلك حث النَّاس على الثَّبَات وَالصَّبْر لِلْعَدو فِي الملاقاة، وَفِيه ترهيب الْعَدو إِذا عرفُوا مَكَانَهُ، وَأما إِذا لم يقْصد ذَلِك بل قصد بِهِ الافتخار فَهُوَ مَكْرُوه، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّن يُقَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا، وَإِنَّمَا يُقَاتل للذّكر.
٨٦١ - (بابٌ إذَا نَزَلَ العَدُوُّ علَى حُكْمِ رَجُلٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا إِذا نزل الْعَدو من الْمُشْركين على حكم رجل من الْمُسلمين، وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف، تَقْدِيره: ينفذ إِذا أجَازه الإِمَام.
٣٤٠٣ - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمَ عنْ أبِي أمَامَةَ هوَ ابنُ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ بَنو قُرَيْظَةَ علَى حُكْمِ سَعْدٍ هوَ ابنُ معاذٍ بَعَثَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكانَ قَرِيباً مِنْهُ فَجاءَ علَى حِمارٍ فلَمَّا دَنا قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ فَجاءَ فَجَلَسَ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ إنَّ هَؤُلَاءِ نَزَلُوا علَى حُكْمِكَ قَالَ فإنِّي أحْكُمُ أنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وأنْ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ قَالَ لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ المَلِكِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تفهم من معنى الحَدِيث. وَسعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ الْقرشِي الْمدنِي، وَأَبُو أُمَامَة، بِضَم الْهمزَة وبالميمين: اسْمه أسعد بن سهل بن حنيف، يروي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ واسْمه: سعد بن مَالك بن سِنَان الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي فضل سعد عَن مُحَمَّد بن عرْعرة وَفِي الاسْتِئْذَان عَن أبي الْوَلِيد وَفِي الْمَغَازِي عَن بنْدَار عَن غنْدر. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي مُوسَى وَبُنْدَار وَعَن زُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن بنْدَار بِهِ وَعَن حَفْص بن عمر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن عَمْرو بن عَليّ عَن غنْدر بِهِ وَفِي السّير وَفِي الْفَضَائِل عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بَنو قُرَيْظَة) ، بِضَم الْقَاف وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالظاء الْمُعْجَمَة، وهم قَبيلَة من الْيَهُود كَانُوا فِي قلعة فنزلوا على حكم سعد بن معَاذ. قَوْله: (بعث) ، جَوَاب: لما، أَي: بعث رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَطْلُبهُ. قَوْله: (أَن تقتل الْمُقَاتلَة) ، أَي: الطَّائِفَة الْمُقَاتلَة مِنْهُم، أَي: البالغون (والذرية) : النِّسَاء وَالصبيان. قَوْله: (بِحكم الْملك) ، بِكَسْر اللَّام وَهُوَ: الله تَعَالَى، وَفِي بعض الرِّوَايَات: بِحكم الله تَعَالَى، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض، ضبط بَعضهم فِي (صَحِيح البُخَارِيّ) كسرهَا وَفتحهَا، فَإِن صَحَّ الْفَتْح فَالْمُرَاد بِهِ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَتَقْدِيره: بالحكم الَّذِي جَاءَ بِهِ الْملك عَن الله تَعَالَى، ورد هَذَا عَن ابْن الْجَوْزِيّ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: مَا نقل أَن ملكا نزل من السَّمَاء فِي شَأْنهمْ بِشَيْء، وَلَو نزل بِشَيْء أتبع وَترك اجْتِهَاد سعد. وَالثَّانِي: فِي بعض أَلْفَاظ الصَّحِيح، كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعه: قضيت بِحكم الله، وَقَالَ ابْن التِّين: الْمَعْنى كُله وَاحِد على الْكسر وَالْفَتْح، وَقيل: فِي الْوَجْه الأول نظر، لِأَن فِي غير رِوَايَة البُخَارِيّ: قَالَ فِي حكم سعد بذلك: طرقني الْملك سحرًا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: لُزُوم حكم الْمُحكم برضى الْخَصْمَيْنِ، سَوَاء كَانَ فِي أُمُور الْحَرْب أَو غَيرهَا، وَهُوَ رد على الْخَوَارِج الَّذين أَنْكَرُوا التَّحْكِيم على عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِيه: أَن النُّزُول على حكم الإِمَام أَو غَيره جَائِز، وَلَهُم الرُّجُوع عَنهُ مَا لم يحكم، فَإِذا حكم فَلَا رُجُوع، وَلَهُم أَن ينقلوا من حكم رجل إِلَى غَيره. وَفِيه: أَن التحاكم إِلَى رجل مَعْلُوم الصّلاح وَالْخَيْر لَازم للمتحاكمين، فَكيف بَيْننَا وَبَين عدونا فِي الدّين وَالْمَال أخف مؤونة من النَّفس والأهل؟ وَفِيه: أَمر السُّلْطَان وَالْحَاكِم