الْخطابِيّ: هُوَ من الْعُمُوم الَّذِي أُرِيد بِهِ الْخُصُوص وَلَيْسَ بجتمع فِي شَيْء من النَّبَات جَمِيع القوى الَّتِي تقَابل الطبائع كلهَا فِي معالجة الْأَدْوِيَة، وَإِنَّمَا أَرَادَ: شِفَاء كل دَاء يحدث من الرُّطُوبَة والبلغم لِأَنَّهُ حَار يَابِس، وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل إِرَادَة الْعُمُوم مِنْهُ بِأَن يكون شِفَاء للْكُلّ لَكِن بِشَرْط تركيبه مَعَ الْغَيْر، وَلَا مَحْذُور فِيهِ، بل تجب إِرَادَة الْعُمُوم لِأَن جَوَاز الِاسْتِثْنَاء معيار وُقُوع الْعُمُوم، فَهُوَ أَمر مُمكن. وَقد أخبر الصَّادِق عَنهُ، اللَّفْظ عَام بِدَلِيل الِاسْتِثْنَاء أفيجب القَوْل بِهِ؟ وَقَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: الْعَسَل عِنْد الْأَطِبَّاء أقرب إِلَى أَن يكون دَوَاء لكل دَاء من الْحبَّة السَّوْدَاء، وَمَعَ ذَلِك فَإِن من الْأَمْرَاض مَا لَو شرب صَاحبه الْعَسَل لتأذى بِهِ، وَإِذا كَانَ المُرَاد بقوله: فِي الْعَسَل {فِيهِ شِفَاء للنَّاس} (النَّحْل: ٦٩) الْأَكْثَر الْأَغْلَب، فَحمل الْحبَّة السَّوْدَاء على ذَلِك أولى، وَقَالَ غَيره: كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصف الدَّوَاء بِحَسب مَا يُشَاهِدهُ من حَال الْمَرِيض، فَلَعَلَّ قَوْله: (فِي الْحبَّة السَّوْدَاء) وَافق مرض من مزاجه بَارِد فَيكون معنى قَوْله: (شِفَاء من كل دَاء) أَي: من هَذَا الْجِنْس الَّذِي وَقع فِيهِ القَوْل، والتخصيص بالحيثية كثير شَائِع. وَقَالَ ابْن أبي حَمْزَة، رَحمَه الله: تكلم نَاس فِي هَذَا الحَدِيث وخصوا عُمُومه وردوه إِلَى قَول أهل الطِّبّ والتجربة، ولإخفاء بغلط قَائِل ذَلِك، وَذَلِكَ لأَنا إِذا صدقنا أهل الطِّبّ ومدار علمهمْ غَالِبا إِنَّا هُوَ على التجربة الَّتِي بناؤها على ظن غَالب فتصديق من لَا ينْطق عَن الْهوى أولى بِالْقبُولِ من كَلَامهم. قَوْله: (إِلَّا من السَّام) بتَخْفِيف الْمِيم. قَوْله: (قلت: وَمَا السام؟ قَالَ: الْمَوْت) لم يدر السَّائِل وَلَا المجبب، وَقيل بِالظَّنِّ: إِن السَّائِل خَالِد بن سعد، والمجيب ابْن أبي عَتيق.
٥٦٨٨ - حدّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرِ حدَّثنا اللَّيْثُ عنْ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ، قالَ: أخْبَرَنِي أبُو سَلَمَة وسَعيدُ بنُ المسَيِّبِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أخْبَرَهُما، أنَّهُ سمِعَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: فِي الحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفاءٌ مِنْ كُلِّ داءٍ إلَاّ السَّامَ.
قَالَ ابنُ شهابٍ: والسامُ: المَوْتُ، والحَبَّةُ السَّوْدَاءُ: الشُّونِيزُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعقيل بِضَم الْعين بن خَالِد، وَأَبُو سَلمَة هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطِّبّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن رمح. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن رمح وَعَمْرو بن الْحَارِث.
قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ الرَّاوِي: (السام الْمَوْت) وَأَنه فسر السام بِالْمَوْتِ والحبة السَّوْدَاء بالشونيز، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي أول الْبَاب، وَقد قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي (غَرِيب الحَدِيث) عَن الْحسن الْبَصْرِيّ: إِن الْحبَّة السَّوْدَاء الْخَرْدَل، وَحكى أَبُو عبيد الْهَرَوِيّ فِي (الغريبين) : أَنَّهَا ثَمَرَة البطم، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الطَّاء الْمُهْملَة وَاسم شَجَرهَا الضرو، بِكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء. قلت: البطم كثيرا مَا ينْبت فِي الْبِلَاد الشمالية، وَهُوَ حب أَخْضَر يُقَارب الحمص يَأْكُلهُ أهل الْبِلَاد كثيرا، ويجعلونه فِي الأقراص يستخرجون مِنْهُ الدّهن ويأكولنه وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: تَفْسِير الْحبَّة السَّوْدَاء بالشونيز أولى من وَجْهَيْن. أَحدهمَا: أَنه قَول الْأَكْثَر. وَالثَّانِي: كَون مَنَافِعهَا أَكثر، بِخِلَاف الْخَرْدَل والبطم.
٨ - (بابُ التَّلْبِينةِ لِلْمَرِيضِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر التلبينة وصنعها للْمَرِيض، وَقد مر فِي كتاب الْأَطْعِمَة: بَاب التلبينة، وَزَاد هُنَا لفظ: للْمَرِيض، وَهِي بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون اللَّام وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون وبالهاء، وَقد يُقَال: بِلَا هَاء، وَقد مر تَفْسِيرهَا هُنَاكَ.
٥٦٨٩ - حدّثنا حِبَّانُ بنُ مُوسَى أخبرنَا عبْدُ الله أخبرنَا يُونُسُ بنُ يَزِيدَ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا كانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيض ولِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهالِكِ وكانَتْ تَقُولُ: إنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقولُ: إنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ المَرِيضِ وتَذْهَبُ بِبَعْضِ الحُزْنِ. (انْظُر الحَدِيث ٥٤١٧ وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وحبان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنون الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْأَطْعِمَة، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (وللمحزون على الْهَالِك) أَي: الْمُصَاب، أَي: أهل الْمَيِّت.