وَالصَّدَََقَة فِي عَجزه؟ قلت: لَا تكْرَار، إِذْ الأول: هُوَ النداء بِأَن الْإِنْفَاق، وَإِن كَانَ بِالْقَلِيلِ من جملَة الْخيرَات الْعَظِيمَة، وَذَلِكَ حَاصِل من كل أَبْوَاب الْجنَّة، وَالثَّانِي: استدعاء الدُّخُول إِلَى الْجنَّة، وَإِنَّمَا هُوَ من الْبَاب الْخَاص بِهِ، فَفِي الحَدِيث فَضِيلَة عَظِيمَة للإنفاق، وَلِهَذَا افْتتح بِهِ واختتم بِهِ. قَوْله:(بِأبي أَنْت وَأمي) أَي: أَنْت مفدى بِأبي وَأمي، فَتكون الْبَاء مُتَعَلقَة بِهِ، وَقيل: تَقْدِيره: فديتك بِأبي وَأمي. قَوْله:(من ضَرُورَة) أَي: من ضَرَر، أَي لَيْسَ على الْمَدْعُو من كل الْأَبْوَاب مضرَّة، أَي: قد سعد من دعِي من أَبْوَابهَا جَمِيعًا، وَيُقَال مَعْنَاهُ: مَا على من دعِي من تِلْكَ الْأَبْوَاب من لم يكن إلَاّ من أهل خصْلَة وَاحِدَة ودعي من بَابهَا لَا ضَرَر عَلَيْهِ، لِأَن الْغَايَة الْمَطْلُوبَة دُخُول الْجنَّة من أَيهَا أَرَادَ، لِاسْتِحَالَة الدُّخُول من الْكل مَعًا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَقُول: يحْتَمل أَن تكون الْجنَّة كالقلعة لَهَا أسوار مُحِيط بَعْضهَا بِبَعْض، وعَلى كل سور بَاب، فَمنهمْ من يدعى من الْبَاب الأول فَقَط، وَمِنْهُم من يتَجَاوَز عَنهُ إِلَى الْبَاب الدَّاخِل وهلم جرا. قلت: هَذَا الَّذِي ذكره لَا يستبعده الْعقل، وَلَكِن معرفَة كَيْفيَّة الْجنَّة وَكَيْفِيَّة أَبْوَابهَا وَغير ذَلِك مَوْقُوفَة على السماع من الشَّارِع. قَوْله:(وَأَرْجُو أَن تكون مِنْهُم) ، خطاب لأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، والرجاء من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاجِب، نبه عَلَيْهِ ابْن التِّين، فَدلَّ هَذَا على فَضِيلَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وعَلى أَنه من أهل هَذِه الْأَعْمَال كلهَا.
وَفِيه: أَن أَعمال الْبر لَا تفتح فِي الْأَغْلَب للْإنْسَان الْوَاحِد فِي جَمِيعهَا، وَإِن من فتح لَهُ فِي شَيْء مِنْهَا حرم غَيرهَا فِي الْأَغْلَب، وَأَنه قد يفتح فِي جَمِيعهَا للقليل من النَّاس، وَإِن الصدِّيق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مِنْهُم.