للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رويدك مصدرا مُضَافا إِلَى الْكَاف ناصبها سوقك وفتحة داله على هَذَا إعرابية. قَوْله: (بِالْقَوَارِيرِ) جمع قَارُورَة من الزّجاج سميت بهَا لاستقرار الشَّرَاب فِيهَا، وَفِي رِوَايَة هِشَام عَن قَتَادَة: رويدك سوقك وَلَا تكسر الْقَوَارِير، وَزَاد حَمَّاد فِي رِوَايَته عَن أَيُّوب، قَالَ أَبُو قلَابَة يَعْنِي: النِّسَاء، وَفِي رِوَايَة همام عَن قَتَادَة: لَا تكسر الْقَوَارِير، قَالَ قَتَادَة: يَعْنِي ضعفة النِّسَاء. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: شبه النِّسَاء بِالْقَوَارِيرِ من الزّجاج لِأَنَّهُ يسْرع إِلَيْهَا الْكسر وَكَانَ أَنْجَشَة يَحْدُو وينشد القريض وَالرجز فَلم يَأْمَن أَن يصيبهن أَو يَقع فِي قلوبهن حداؤه، فَأمره بالكف عَن ذَلِك، وَفِي الْمثل: الْغناء رقية الزِّنَا، وَقيل: أَرَادَ أَن الْإِبِل إِذا سَمِعت الحداء أسرعت فِي الْمَشْي واشتدت فأزعجت الرَّاكِب وأتعبته، فَنَهَاهُ عَن ذَلِك لِأَن النِّسَاء يضعفن من شدَّة الْحَرَكَة. وَقَالَ الرامَهُرْمُزِي: كنى عَن النِّسَاء بِالْقَوَارِيرِ لرقتهن وضعفهن عَن الْحَرَكَة، وَالنِّسَاء يشبهن بِالْقَوَارِيرِ فِي الرقة واللطافة وَضعف البنية، وَقيل: سقهن كسوقك الْقَوَارِير لَو كَانَت مَحْمُولَة على الْإِبِل، وَقيل: شبههن بِالْقَوَارِيرِ لسرعة انقلابهن عَن الرِّضَا وَقلة دوامهن على الْوَفَاء كالقوارير يسْرع إِلَيْهَا الْكسر وَلَا تقبل الْجَبْر، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: هِيَ اسْتِعَارَة لِأَن الْمُشبه بِهِ غير مَذْكُور، والقرينة حَالية لَا مقالية، وَلَفظ الْكسر ترشيح لَهَا. قَوْله: (قَالَ أَبُو قلَابَة) هُوَ الرَّاوِي عَن أنس: تكلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكَلِمَة، وَهِي سوق الْقَوَارِير قَوْله: (لَو تكلم بهَا) أَي: بِهَذِهِ الْكَلِمَة: بَعْضكُم لعبتموها عَلَيْهِ، أَي: على الَّذِي تكلم بهَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَذِه اسْتِعَارَة لَطِيفَة بليغة فَلم تعاب؟ قلت: لَعَلَّه نظر إِلَى أَن شَرط الِاسْتِعَارَة أَن يكون وَجه الشّبَه جلياً بَين الأقوام وَلَيْسَ بَين القارورة وَالْمَرْأَة وَجه الشّبَه ظَاهرا، وَالْحق أَنه كَلَام فِي غَايَة الْحسن وَالسَّلَام عَن الْعُيُوب وَلَا يلْزم فِي الِاسْتِعَارَة أَن يكون جلاء الْوَجْه من حَيْثُ ذاتهما بل يَكْفِي الْجلاء الْحَاصِل من الْقَرَائِن الجاعلة للْوَجْه جلياً ظَاهرا كَمَا فِي المبحث، وَيحْتَمل أَن يكون قصد أبي قلَابَة أَن هَذِه الِاسْتِعَارَة تحسن من مثل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي البلاغة، وَلَو صدرت مِمَّن لَا بلاغة لَهُ لعبتموها، وَهَذَا هُوَ اللَّائِق بِمنْصب أبي قلَابَة، وَالله أعلم.

٩١ - (بابُ هِجاءِ المُشْرِكِينَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الهجاء للْمُشْرِكين، وروى أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَصَححهُ من حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ رَفعه: جاهدوا الْمُشْركين بألسنتكم، وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عمار بن يَاسر: لما هجانا الْمُشْركُونَ قَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُولُوا لَهُم كَمَا يَقُولُونَ لكم فَإِن كُنَّا لنعلمه إِمَاء أهل الْمَدِينَة، فلأجل ذَلِك وضع البُخَارِيّ هَذِه التَّرْجَمَة وَأَشَارَ بهَا إِلَى أَن بعض الشّعْر قد يكون مُسْتَحبا والهجاء والهجو بِمَعْنى وَهُوَ الذَّم فِي الشّعْر، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الهجاء خلاف الْمَدْح وَقد هجوته هجواً وهجاء وتهجاء فَهُوَ مهجو، وَلَا تقل هجيته.

٦١٥٠ - حدَّثنا مُحَمَّدٌ حَدثنَا عَبْدَةُ أخبرنَا هِشامٌ بنُ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: اسْتأذَنَ حَسَّانُ بنُ ثابتٍ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي هِجاءِ المُشْرِكِينَ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَكَيْفَ بنَسَبي؟ فَقَالَ حَسَّانُ: لأسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ العَجِينِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام، وَعَبدَة بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة هُوَ ابْن سُلَيْمَان.

والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عُثْمَان أَيْضا.

قَوْله: (فَكيف بنسبي؟) أَي: كَيفَ تهجوهم ونسبي الْمُهَذّب الشريف فيهم؟ فَرُبمَا يُصِيبنِي من الهجو نصيب. قَوْله: (لأسلنك) أَي: لَا تلطفن فِي تَخْلِيص نسبك من هجوهم بِحَيْثُ لَا يبْقى جُزْء من نسبك فِيمَا ناله الهجو كالشعرة إِذا انسلت من الْعَجِين لَا يبْقى شَيْء مِنْهُ عَلَيْهَا.

وعَنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ قَالَ: ذَهَبْتُ أسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عائِشَةَ فقالَتْ: لَا تَسُبُّهُ فإِنَّهُ كانَ يُنافِحُ عَنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

هَذَا مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: (ذهبت أسب حسان) لِأَنَّهُ كَانَ مُوَافقا لأهل الْإِفْك. قَوْله: (ينافح) بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي: يدافع عَنهُ ويخاصم عَنهُ، والمنافح المدافع، يُقَال: نافحت عَن فلَان أَي: دافعت عَنهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>