البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه الْكَبِير) . قَالَ لي عَليّ بن الْمَدِينِيّ: سَماع الْحسن من سَمُرَة صَحِيح. قَوْله: (أَمرنِي ابْن سِيرِين) أَي: مُحَمَّد بن سِيرِين (أَن أسأَل) أَي: بِأَن أسأَل الْحسن الْبَصْرِيّ. قَوْله: (فَسَأَلته) أَي: قَالَ ابْن الشَّهِيد فَسَأَلت الْحسن فَقَالَ: سَمِعت من سَمُرَة بن جُنْدُب. فَإِن قلت: لم يبين البُخَارِيّ حَدِيث الْعَقِيقَة. قلت: كَأَنَّهُ اكْتفى عَن إِيرَاده بشهرته، وَقد أخرجه أَصْحَاب السّنَن من رِوَايَة قَتَادَة عَن الْحسن عَن سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الْغُلَام مُرْتَهن بعقيقته، يذبح عَنهُ يَوْم السَّابِع ويحلق رَأسه وَيُسمى. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح. قَالَ: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أهل الْعلم يستحبون أَن يذبح عَن الْغُلَام الْعَقِيقَة يَوْم السَّابِع. فَإِن لم يتهيأ يَوْم السَّابِع فَيوم الرَّابِع عشر، فَإِن لم يتهيأ عق عَنهُ يَوْم إِحْدَى وَعشْرين قَوْله: مُرْتَهن، بِفَتْح التَّاء مَعْنَاهُ: رهن بعقيقته يَعْنِي: العقيق لَازِمَة لَهُ لَا بُد مِنْهَا، فشبهه بلزومها لَهُ وَعدم انفكاكه مِنْهَا بِالرَّهْنِ فِي يَد الْمُرْتَهن.
وَقَالَ الْخطابِيّ: تكلم النَّاس فِي هَذَا وأجود مَا قيل فِيهِ مَا ذهب إِلَيْهِ أَحْمد بن حَنْبَل، رَحمَه الله. قَالَ: هَذَا فِي الشَّفَاعَة، يُرِيد أَنه إِذا لم يعق عَنهُ فَمَاتَ طفْلا لم يشفع فِي وَالِديهِ، وَقيل: مَرْهُون بأذى شعره، ويروى: كل غُلَام رهينة بعقيقته الرهينة الرَّهْن وَالْهَاء للْمُبَالَغَة كالشتيمة والشتم ثمَّ استعملا بِمَعْنى الْمَرْهُون، يُقَال: هُوَ رهن بِكَذَا ورهينة بِكَذَا. قَوْله: (يذبح عَنهُ يَوْم السَّابِع) ، على صِيغَة الْمَجْهُول وَقد احْتج بِهِ من قَالَ: إِن الْعَقِيقَة مُؤَقَّتَة بِالْيَوْمِ السَّابِع، فَإِن ذبح قبله لم يَقع الموقوع، وَإِنَّهَا تفوت بعده، وَهَذَا قَول مَالك، وَعند الْحَنَابِلَة فِي اعْتِبَار الأسابيع بعد ذَلِك رِوَايَتَانِ، وَعند الشَّافِعِيَّة أَن ذكر السَّابِع للاختيار لَا للتعيين، وَنقل الرَّافِعِيّ أَنه يدْخل وَقتهَا بِالْولادَةِ، قَالَ: وَذكر السَّابِع فِي الْخَبَر بِمَعْنى أَن لَا يُؤَخر عَنهُ إختيارا، ثمَّ قَالَ: وَالِاخْتِيَار أَن لَا يُؤَخر عَن الْبلُوغ فَإِن أخرت إِلَى الْبلُوغ سَقَطت عَمَّن كَانَ يُرِيد أَن يعق عَنهُ. لَكِن إِن أَرَادَ هُوَ أَن يعق عَن نَفسه فعل. وَقَوله: يَوْم السَّابِع، أَي: من يَوْم الْولادَة، وَهل يحْسب يَوْم الْولادَة؟ وَقَالَ ابْن عبد الْبر: نَص مَالك على أَن أول السَّبْعَة الْيَوْم الَّذِي يَلِي يَوْم الْولادَة إِلَّا أَن ولد قبل طُلُوع الْفجْر، وَكَذَا نَقله الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي. قَوْله: (ويحلق رَأسه) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. أَي: يحلق جَمِيع رَأسه لثُبُوت النَّهْي عَن القزع، وَحكى الْمَاوَرْدِيّ كَرَاهَة حلق رَأس الْجَارِيَة. وَعَن بعض الْحَنَابِلَة يحلق. قلت: هَذَا أولى لِأَن فِي حَدِيث سلمَان: أميطوا عَنهُ الْأَذَى وَمن جملَة الْأَذَى شعر رَأسه الملوث من الْبَطن، وبعمومه يتَنَاوَل الذّكر وَالْأُنْثَى وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب. رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: عق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْحسن بِشَاة. وَقَالَ: يَا فَاطِمَة أحلقي رَأسه وتصدقي بزنة شعره فضَّة، فوزناه فَكَانَ وَزنه درهما أَو بعض دِرْهَم. وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. قَوْله: (ويسمي) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا وَإِن لم يستهل لم يسم. وَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين وَقَتَادَة وَالْأَوْزَاعِيّ: إِذا ولد وَقد تمّ خلقه يُسمى فِي الْوَقْت إِن شاؤا قَالَ الْمُهلب: وَتَسْمِيَة الْمَوْلُود حِين يُولد وَبعد ذَلِك بليلة وليلتين وَمَا شَاءَ إِذا لم ينْو الْأَب الْعَقِيقَة عِنْد يَوْم سابعه جَائِز وَإِن أَرَادَ أَن ينْسك عَنهُ فَالسنة أَن يُؤَخر تَسْمِيَته إِلَى يَوْم النّسك، وَهُوَ السَّابِع.
٥٤٧١ - حدَّثنا أبُو النُّعمَانِ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ أيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ قَالَ: مَعَ الغُلامِ عَقِيقَةٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فِي الْعَقِيقَة، وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين، وَسليمَان بن عَامر الضَّبِّيّ بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة صَحَابِيّ سكن الْبَصْرَة مَاله فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث.
وَقد أخرج البُخَارِيّ حَدِيثه من عدَّة طرق فَهَذَا الحَدِيث مَوْقُوف مُخْتَصر، وَقَالَ الكلاباذي: روى عَن سلمَان الضَّبِّيّ مُحَمَّد ابْن سِيرِين حَدِيثا مَوْقُوفا فِي الْأَطْعِمَة، وَهُوَ فِي الأَصْل مَرْفُوع، وَمَعْنَاهُ: عقيقة مصاحبة للغلام بعد وِلَادَته، يَعْنِي: يعق عَنهُ، وَاعْترض عَلَيْهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ هُنَا بِأَنَّهُ، وَإِن كَانَ مَوْصُولا لكنه مَوْقُوف وَلَيْسَ فِيهِ ذكر إمَاطَة الْأَذَى الَّذِي ترْجم بِهِ وَأجِيب عَنهُ بِأَن الْمُعْتَمد عَلَيْهِ فِي طرق هَذَا الحَدِيث الَّتِي أخرجهَا هُوَ طَرِيق حَمَّاد بن زيد لَكِن أوردهُ مُخْتَصرا اكْتِفَاء بِمَا ورد تَمَامه فِي بعض طرقه على مَا يَجِيء وَذَلِكَ على عَادَته هَكَذَا فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فَافْهَم.
وَفِيه: حجَّة على أَنه لَا يعق عَن الْكَبِير، وَعَلِيهِ أَئِمَّة الْفَتْوَى بالأمصار.
{وَقَالَ حَجَّاجٌ: حدَّثنا حَمَّادٌ أخْبَرنا أيُّوبُ وَقَتَادَةُ وَهِشَامٌ وَحَبِيبٌ عَنِ ابنِ سِيرينَ عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،} .
هَذَا الطَّرِيق مَرْفُوع، وَلكنه مُعَلّق أخرجه عَن حجاج بن منهال عَن حَمَّاد هُوَ ابْن سَلمَة عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَقَتَادَة ابْن دعامة السدُوسِي، وَهِشَام بن حسان الْأَزْدِيّ وحبِيب بن شَهِيد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن سلمَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوَصله الطَّحَاوِيّ وَابْن عبد الْبر وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي عَن حجاج بن منهال حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة بِهِ. وَاعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ: حَمَّاد بن سَلمَة لَيْسَ من شَرطه فِي الِاحْتِجَاج، وَأجِيب عَنهُ بِأَنا سلمنَا أَن حَمَّاد بن سَلمَة لَيْسَ من شَرطه، وَلَكِن لَا يضرّهُ إِيرَاده للاستشهاد بِهِ.
{وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَاصِمٍ وَهِشامٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْت سِيرِينَ عَنِ الرَّبابِ عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ الضَّبِيِّ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم} .
هَذَا طَرِيق آخر، وَهُوَ مُعَلّق مَرْفُوع، وَفِيه مُبْهَم وَهُوَ قَوْله: (غير وَاحِد) . فَمن الَّذين أبهمهم عَن عَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول سُفْيَان بن عُيَيْنَة أخرجه أَحْمد عَنهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد وَصرح بِرَفْعِهِ. قَوْله: (وَهشام) ، عطف على عَاصِم، وَهُوَ هِشَام بن حسان وَمِمَّنْ أخرج عَنهُ عبد الرَّزَّاق أخرجه أَحْمد عَنهُ عَن هِشَام بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، وَمِمَّنْ أخرج عَن هِشَام أَيْضا عبد الله بن نمير أخرجه ابْن مَاجَه من طَرِيقه. وَحَفْصَة بنت سِيرِين أُخْت مُحَمَّد بن سِيرِين رَوَت عَن الربَاب بِفَتْح الرَّاء وبباءين موحدتين بَينهمَا ألف، وَالْأولَى مِنْهُمَا مُخَفّفَة إبنت صليعٍ مصغر الصلع بالمهملتين ابْن عَامر الضَّبِّيّ يروي عَن عَمها سلمَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
{وَرَوَاهُ يَزِيدُ بنُ إبْرَاهِيمَ عَنِ ابنِ سِيرينَ عَنْ سَلْمَانَ قَوْلَهُ} .
هَذَا طَرِيق آخر مُعَلّق مُصَرح فِيهِ بِالْوَقْفِ أخرجه عَن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن إِبْرَاهِيم التسترِي عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن سلمَان الضَّبِّيّ. قَوْله: (قَوْله) ، أَي: قَول سلمَان، وَصرح بِهِ أَنه مَوْقُوف عَلَيْهِ، وَوَصله الطَّحَاوِيّ فِي كِتَابه (مُشكل الْآثَار) وَقَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن خُزَيْمَة حَدثنَا حجاج بن منهال حَدثنَا يزِيد بن إِبْرَاهِيم بِهِ مَوْقُوفا.
وَقَالَ أصْبَغُ: أخْبَرَنِي ابنُ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بنِ حَازِمِ عَنْ أيُّوبَ السَّخْتَيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ سِيرِينَ حدَّثنا سَلْمَانُ بنُ عَامِرِ الضَّبِّيُّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: مَعَ الغُلامِ عَقِيقَةٌ فَأهْريقوا عَنْهُ دَما وَأمِيطُوا عَنْهُ الأذَى.
هَذَا طَرِيق آخر مَرْفُوع، وَلكنه مُعَلّق أخرجه عَن أصبغ بن الْفرج الْمصْرِيّ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَأحد مَشَايِخ الطَّحَاوِيّ عَن جرير بن حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ مَنْسُوب إِلَى عمل السختيان أَو بَيْعه، وَهُوَ فَارسي مُعرب، وَهِي جُلُود عَن مُحَمَّد بن سِيرِين إِلَى آخِره، وَوَصله الطَّحَاوِيّ عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى عَن بن وهب بِهِ وَاعْترض عَلَيْهِ الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا. فَقَالَ: ذكر هَذَا الحَدِيث بِلَا خبر، وَقد قَالَ أَحْمد: حَدِيث جرير بِمصْر كَانَ على التَّوَهُّم. أَو كَمَا قَالَ: وَقَالَ السَّاجِي حدث بالوهم بِمصْر وَلم يكن يحفظ وَأجِيب بِأَنَّهُ قد وَافقه غَيره عَن أَيُّوب وَفِي الْجُمْلَة هَذِه الطّرق الْخَمْسَة يُقَوي بَعْضهَا بَعْضًا والْحَدِيث فِي الأَصْل مَرْفُوع فَلَا يضرّهُ الْوَقْف.
قَوْله: (مَعَ الْغُلَام عقيقة) ، تمسك بِظَاهِر لَفْظَة الْحسن وَقَتَادَة، وَقَالَ: يعق عَن الْغُلَام وَلَا يعق عَن الْجَارِيَة وَعند الْجُمْهُور: يعق عَنْهُمَا لوُرُود الْأَحَادِيث الْكَثِيرَة بِذكر الْجَارِيَة أَيْضا على مَا يَجِيء الْآن. قَوْله: (فأهريقوا) ، يُقَال: هراق المَاء يهريقه هراقة أَي: صبه، وَأَصله: أراق يريق إِرَاقَة.
وَفِيه لُغَة أُخْرَى: أهرق المَاء يهرقه إهراقا على أفعل يفعل إفعالاً لُغَة ثَالِثَة أهرق يهريق إهرياقا وَاعْلَم أَنه أبهم فِيهِ مَا يهراق، وَكَذَا فِي حَدِيث سَمُرَة الْآتِي، وَبَين ذَلِك فِي عدَّة أَحَادِيث.
وَمِنْهَا: حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أخرجه التِّرْمِذِيّ مصححا من رِوَايَة يُوسُف بن مَاهك بِأَنَّهُم دخلُوا على حَفْصَة بنت عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَمرهم عَن الْغُلَام شَاتَان مكافيتان وَعَن الْجَارِيَة شَاة وأخرجت الْأَرْبَعَة من حَدِيث أم كرز أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْعَقِيقَة فَقَالَ: عَن الْغُلَام شَاتَان وَعَن الْجَارِيَة وَاحِدَة وَلَا يضركم ذكرانا كن أم أناثا. قَالَ التِّرْمِذِيّ: صَحِيح وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده رَفعه فِي أثْنَاء حَدِيث قَالَ: من أحب أَن ينْسك عَن وَلَده فَلْيفْعَل عَن الْغُلَام شَاتَان مكافيتان وَعَن الْجَارِيَة شَاة. وَقَالَ دَاوُد بن قيس، رِوَايَة عَن عَمْرو: سَأَلت زيد بن أسلم عَن قَوْله: (مكافأتان) ، فَقَالَ: متشابهتان تذبحان جَمِيعًا. أَي: لَا يُؤَخر ذبح إِحْدَاهمَا عَن الْأُخْرَى، وَحكى أَبُو دَاوُد عَن أَحْمد المتكافيان المتقاربان. قَالَ الْخطابِيّ: أَي: فِي السن، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: معادلتان لما تجزي فِي الزَّكَاة وَفِي الْأُضْحِية، وَوَقع فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي حَدِيث آخر، قيل: مَا المتكافيتان؟ قَالَ: المثلان.
قَوْله: (وأميطوا) ، أَي: أزيلوا وَقد مر فِي أول الْبَاب. قَوْله: (والأذى) ، قيل: هُوَ إِمَّا الشّعْر أَو الدَّم أَو الْخِتَان، وَقَالَ الْخطابِيّ: قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: لما سمعنَا هَذَا الحَدِيث طلبنا من يعرف معنى إمَاطَة الْأَذَى فَلم نجد، وَقيل: المُرَاد بالأذى هُوَ شعره الَّذِي علق بِهِ دم الرَّحِم فيماط عَنهُ بِالْحلقِ، وَقيل: إِنَّهُم كَانُوا يلطمون بِرَأْس الصَّبِي بِدَم الْعَقِيقَة، وَهُوَ أَذَى فَنهى عَن ذَلِك، وَقد جزم الْأَصْمَعِي بِأَنَّهُ حلق الرَّأْس، وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن الْحسن كَذَلِك، وَالْأَوْجه أَن يحمل الْأَذَى على الْمَعْنى الْأَعَمّ، وَيُؤَيّد ذَلِك أَن فِي بعض طرق حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب ويماط عَنهُ أقذاره، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ.
{حدَّثني عَبْدُ الله بنُ أبِي الأسْوَدِ حدَّثنا قُرَيْشُ بنُ أنَسٍ عَنْ حَبِيبٍ بنِ الشَّهِيدِ قَالَ: أمَرَنِي ابنُ سِيرِينَ أنْ أسْألَ الحَسَنَ: مِمَّنْ سَمَعَ حَدِيثَ العَقِيقَةَ؟ فَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: مِنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ} .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن أبي الْأسود هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الْأسود، وَاسم أبي الْأسود حميد، وقريش مصغر القرش، بِالْقَافِ وَالرَّاء والشين الْمُعْجَمَة ابْن أنس بِفَتْح الْهمزَة وَالنُّون الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة تسع وَمِائَتَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع، وحبِيب بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة، وَسمرَة بن جُنْدُب بِضَم الْجِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَضمّهَا الْفَزارِيّ بِالْفَاءِ وَتَخْفِيف الزَّاي وبالراء الْكُوفِي الصَّحَابِيّ.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن قُرَيْش بن أنس بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعَقِيقَة عَن هَارُون بن عبد الله عَن قُرَيْش بِهِ، وَقد توقف الْبرد نجي فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث من أجل اخْتِلَاط قُرَيْش، هَذَا وَزعم أَنه تفرد بِهِ وَأَنه وهم، وَكَأَنَّهُ تبع فِي ذَلِك مَا حَكَاهُ الْأَثْرَم عَن أَحْمد أَنه ضعف حَدِيث قُرَيْش هَذَا، وَقَالَ: مَا أرَاهُ بِشَيْء قلت: قُرَيْش تغير سنة ثَلَاث وَمِائَتَيْنِ وَاسْتمرّ على ذَلِك سِتّ سِنِين، وَمَات سنة تسع وَمِائَتَيْنِ، ولقريش متابع، روى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من أَن أَبَا حَمْزَة رَوَاهُ عَن الْحسن كَرِوَايَة قُرَيْش سَوَاء، وَلَعَلَّ سَماع شيخ البُخَارِيّ عَن قُرَيْش كَانَ قبل الِاخْتِلَاط، وَقَالَ ابْن حزم: لَا يَصح لِلْحسنِ سَماع عَن سَمُرَة إلَاّ حَدِيث الْعَقِيقَة وَحده، ورد عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه الْكَبِير) . قَالَ لي عَليّ بن الْمَدِينِيّ: سَماع الْحسن من سَمُرَة صَحِيح. قَوْله: (أَمرنِي ابْن سِيرِين) أَي: مُحَمَّد بن سِيرِين (أَن أسأَل) أَي: بِأَن أسأَل الْحسن الْبَصْرِيّ. قَوْله: (فَسَأَلته) أَي: قَالَ ابْن الشَّهِيد فَسَأَلت الْحسن فَقَالَ: سَمِعت من سَمُرَة بن جُنْدُب. فَإِن قلت: لم يبين البُخَارِيّ حَدِيث الْعَقِيقَة. قلت: كَأَنَّهُ اكْتفى عَن إِيرَاده بشهرته، وَقد أخرجه أَصْحَاب السّنَن من رِوَايَة قَتَادَة عَن الْحسن عَن سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الْغُلَام مُرْتَهن بعقيقته، يذبح عَنهُ يَوْم السَّابِع ويحلق رَأسه وَيُسمى. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح. قَالَ: وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أهل الْعلم يستحبون أَن يذبح عَن الْغُلَام الْعَقِيقَة يَوْم السَّابِع. فَإِن لم يتهيأ يَوْم السَّابِع فَيوم الرَّابِع عشر، فَإِن لم يتهيأ عق عَنهُ يَوْم إِحْدَى وَعشْرين قَوْله: مُرْتَهن، بِفَتْح التَّاء مَعْنَاهُ: رهن بعقيقته يَعْنِي: العقيق لَازِمَة لَهُ لَا بُد مِنْهَا، فشبهه بلزومها لَهُ وَعدم انفكاكه مِنْهَا بِالرَّهْنِ فِي يَد الْمُرْتَهن.
وَقَالَ الْخطابِيّ: تكلم النَّاس فِي هَذَا وأجود مَا قيل فِيهِ مَا ذهب إِلَيْهِ أَحْمد بن حَنْبَل، رَحمَه الله. قَالَ: هَذَا فِي الشَّفَاعَة، يُرِيد أَنه إِذا لم يعق عَنهُ فَمَاتَ طفْلا لم يشفع فِي وَالِديهِ، وَقيل: مَرْهُون بأذى شعره، ويروى: كل غُلَام رهينة بعقيقته الرهينة الرَّهْن وَالْهَاء للْمُبَالَغَة كالشتيمة والشتم ثمَّ استعملا بِمَعْنى الْمَرْهُون، يُقَال: هُوَ رهن بِكَذَا ورهينة بِكَذَا. قَوْله: (يذبح عَنهُ يَوْم السَّابِع) ، على صِيغَة الْمَجْهُول وَقد احْتج بِهِ من قَالَ: إِن الْعَقِيقَة مُؤَقَّتَة بِالْيَوْمِ السَّابِع، فَإِن ذبح قبله لم يَقع الموقوع، وَإِنَّهَا تفوت بعده، وَهَذَا قَول مَالك، وَعند الْحَنَابِلَة فِي اعْتِبَار الأسابيع بعد ذَلِك رِوَايَتَانِ، وَعند الشَّافِعِيَّة أَن ذكر السَّابِع للاختيار لَا للتعيين، وَنقل الرَّافِعِيّ أَنه يدْخل وَقتهَا بِالْولادَةِ، قَالَ: وَذكر السَّابِع فِي الْخَبَر بِمَعْنى أَن لَا يُؤَخر عَنهُ إختيارا، ثمَّ قَالَ: وَالِاخْتِيَار أَن لَا يُؤَخر عَن الْبلُوغ فَإِن أخرت إِلَى الْبلُوغ سَقَطت عَمَّن كَانَ يُرِيد أَن يعق عَنهُ. لَكِن إِن أَرَادَ هُوَ أَن يعق عَن نَفسه فعل. وَقَوله: يَوْم السَّابِع، أَي: من يَوْم الْولادَة، وَهل يحْسب يَوْم الْولادَة؟ وَقَالَ ابْن عبد الْبر: نَص مَالك على أَن أول السَّبْعَة الْيَوْم الَّذِي يَلِي يَوْم الْولادَة إِلَّا أَن ولد قبل طُلُوع الْفجْر، وَكَذَا نَقله الْبُوَيْطِيّ عَن الشَّافِعِي. قَوْله: (ويحلق رَأسه) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. أَي: يحلق جَمِيع رَأسه لثُبُوت النَّهْي عَن القزع، وَحكى الْمَاوَرْدِيّ كَرَاهَة حلق رَأس الْجَارِيَة. وَعَن بعض الْحَنَابِلَة يحلق. قلت: هَذَا أولى لِأَن فِي حَدِيث سلمَان: أميطوا عَنهُ الْأَذَى وَمن جملَة الْأَذَى شعر رَأسه الملوث من الْبَطن، وبعمومه يتَنَاوَل الذّكر وَالْأُنْثَى وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب. رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: عق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْحسن بِشَاة. وَقَالَ: يَا فَاطِمَة أحلقي رَأسه وتصدقي بزنة شعره فضَّة، فوزناه فَكَانَ وَزنه درهما أَو بعض دِرْهَم. وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب. قَوْله: (ويسمي) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا وَإِن لم يستهل لم يسم. وَقَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين وَقَتَادَة وَالْأَوْزَاعِيّ: إِذا ولد وَقد تمّ خلقه يُسمى فِي الْوَقْت إِن شاؤا قَالَ الْمُهلب: وَتَسْمِيَة الْمَوْلُود حِين يُولد وَبعد ذَلِك بليلة وليلتين وَمَا شَاءَ إِذا لم ينْو الْأَب الْعَقِيقَة عِنْد يَوْم سابعه جَائِز وَإِن أَرَادَ أَن ينْسك عَنهُ فَالسنة أَن يُؤَخر تَسْمِيَته إِلَى يَوْم النّسك، وَهُوَ السَّابِع.
٣ - (بَابُ: {الفَرَعِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْفَرْع بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء وبالعين الْمُهْملَة، وَذكر أَبُو عبيد أَنه بِفَتْح الرَّاء، وَكَذَلِكَ الفرعة، وَهُوَ أول مَا تلده النَّاقة، وَكَانُوا يذبحون ذَلِك لآلهتهم وَقد أفرع الْقَوْم إِذا فعلت إبلهم ذَلِك، وَذكر شمر أَن أَبَا مَالك قَالَ: كَانَ الرجل إِذا تمت إبِله مائَة قدم بكرا فذبحه لصنمه، فَذَلِك الْفَرْع.
٥٤٧٣ - حدَّثنا عَبْدَانُ حدَّثنا عَبْدُ الله أخْبرنا مَعْمَرٌ أخْبَرَنا الزُّهْرِيُّ عَنِ ابنِ المُسَيِّبِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا فَرَعَ وَلا عَتِيرَةَ.
وَالفَرَعُ أوَّلُ النِّتاجِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطواغِيتِهِمْ. وَالعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي يروي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَضَاحِي عَن مُحَمَّد بن رَافع وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان.
قَوْله: (لَا فرع وَلَا عتيرة) ، قد مر الْآن تَفْسِير الْفَرْع، وَالْعَتِيرَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة