للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَو يعْطى النَّاس بدعواهم لادعى رجال أَمْوَال قوم ودماءهم، وَلَكِن الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر) ، وَهَذِه الزِّيَادَة لَيست فِي (الصَّحِيحَيْنِ) وإسنادها حسن، وَقد بَين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحِكْمَة فِي كَون الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ، بقوله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَو يعْطى النَّاس بدعواهم لادعى رجال أَمْوَال قوم ودماءهم) .

وَقيل: الْحِكْمَة فِي كَون الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي لِأَن جَانِبه ضَعِيف، لِأَنَّهُ يَقُول خلاف الظَّاهِر فيتقوى بهَا، وجانب الْمُدعى عَلَيْهِ قوي، لِأَن الأَصْل فرَاغ ذمَّته، فَاكْتفى مِنْهُ بِالْيَمِينِ لِأَنَّهَا حجَّة ضَعِيفَة. فَإِن قلت: قَالَ الْأصيلِيّ: حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا لَا يَصح مَرْفُوعا، إِنَّمَا هُوَ قَول ابْن عَبَّاس: كَذَا رَوَاهُ أَيُّوب وَنَافِع الجُمَحِي عَن ابْن أبي مليكَة عَن ابْن عَبَّاس، قلت: رَوَاهُ الشَّيْخَانِ من رِوَايَة ابْن جريج مَرْفُوعا، وَهَذَا يَكْفِي لصِحَّة الرّفْع، وَمَعَ هَذَا فَإِن كَانَ مُرَاد الْأصيلِيّ جَمِيع الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فَلَا يَصح، لِأَن الْمِقْدَار الَّذِي أخرجه الشَّيْخَانِ مُتَّفق على صِحَّته، وَإِن كَانَ مُرَاده هَذِه الزِّيَادَة، وَهِي قَوْله: لَو يعْطى النَّاس ... إِلَى آخِره، فَغَرِيب فَافْهَم.

(بابٌ)

قد مر غير مرّة أَن الْبَاب إِذا كَانَ مَذْكُورا مُجَردا يكون كالفصل فِي الْبَاب الَّذِي قبله، وَقد ذكرنَا أَيْضا أَن لفظ: الْكتاب، يجمع على الْأَبْوَاب، والأبواب تجمع الْفُصُول، وَبَاب هُنَا غير مُعرب، لِأَن الْإِعْرَاب لَا يكون إلَاّ بعد العقد، والتركيب أللهم إلَاّ إِذا قُلْنَا: التَّقْدِير: هَذَا بَاب، فَحِينَئِذٍ يكون مَرْفُوعا على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَلَيْسَ هَذَا بمذكور فِي كثير من النّسخ.

٠٧٦٢ - حدَّثنا عُثْمَانِ بنُ أبِي شَيْبَةَ قَالَ حدَّثنا جَريرٌ عنْ مَنْصُور عنْ أبِي وائلٍ قَالَ قَالَ عبدُ الله مَنْ حَلَفَ على يَمينٍ يَسْتَحقُّ بهَا مَالا لَقِيَ الله وهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ ثُمَّ أنْزَلَ الله عَزَّ وجَلَّ تَصْدِيقَ ذالِكَ إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وأيْمانِهِمْ إِلَى عَذابٌ ألِيمٌ ثُمَّ إنَّ الأشْعَثَ بنَ قَيْسٍ خَرَجَ إلَيْنَا فَقَالَ مَا يُحَدِّثُكُمْ أبُو عَبْدِ الرَّحْمانِ فَحَدَّثْناهُ بِمَا قَالَ فَقَالَ صَدقَ لَفِيَّ أُنْزِلَتْ كانَ بَيْنِي وبيْنَ رجُل خُصُومَةٌ فِي شَيْءٍ فاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ شاهِدَاكَ أوْ يَمينُهُ فقُلْتُ لهُ إنَّهُ إذَاً يَحْلِفَ وَلَا يُبَالِي فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ حَلَفَ علَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِها مَالا وهْوَ فِيهَا فاجِرٌ لَقِيَ الله وهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فأنْزَلَ الله تَصْدِيقَ ذالِكَ ثُمَّ اقْتَرأَ هَذِهِ الآيَةَ..

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: شَاهِدَاك، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاطب بذلك الْأَشْعَث، وَكَانَ هُوَ الْمُدَّعِي، فَجعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيِّنَة عَلَيْهِ، وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي الرَّهْن فِي: بَاب إِذا اخْتلف الرَّاهِن وَالْمُرْتَهن، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن، غير أَن هُنَاكَ أخرجه: عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن جرير ... إِلَى آخِره، وَهَهُنَا: عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. وَقَالَ بَعضهم: وَاسْتدلَّ بِهَذَا الْحصْر على رد الْقَضَاء بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِد. وَأجِيب: بِأَن المُرَاد بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (شَاهِدَاك) على رجل وَيَمِين الطَّالِب

أَي: بينتك، سَوَاء كَانَت رجلَيْنِ أَو رجلا وَامْرَأَتَيْنِ أَو رجلا وَيَمِين الطَّالِب. انْتهى. قلت: هَذَا تَأْوِيل غير صَحِيح، فسبحان الله كَيفَ يدل. قَوْله: (شَاهِدَاك) ، شَاهِدَاك بِالْبَيِّنَةِ، وَالْبَيِّنَة قد عرفت بِالنَّصِّ أَنَّهَا: رجلَانِ أَو رجل وَامْرَأَتَانِ، لَيْسَ إلَاّ وَتَخْصِيص لفظ: الشَّاهِدين، لِكَوْنِهِمَا أَكثر وأغلب، فَافْهَم. وَالله أعلم.

١٢ - (بابٌ إِذا إدَّعى أَو قَذَفَ فلَهُ أنْ يَلْتَمِسَ البَيِّنَةَ ويَنْطَلِقَ لِطَلَبِ البَيِّنَةِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا ادّعى رجل بِشَيْء على آخر. قَوْله: (أَو قذف) أَي: أَو قذف رجل رجلا أَو قذف امْرَأَته بِأَن رَمَاهَا بِالزِّنَا. قَوْله: (فَلهُ) أَي: فَلهَذَا الْمُدَّعِي أَو لهَذَا الْقَاذِف وَالضَّمِير هُنَا مثل الضَّمِير فِي قَوْله: {اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى} (الْمَائِدَة: ٨) . فَإِن هُوَ يرجع

<<  <  ج: ص:  >  >>