للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عبد الم يذهب بِهَذَا الْمَذْهَب الَّذِي ظَنّه هَذَا الْقَائِل، وَإِنَّمَا كَانَ يتَأَوَّل الْمُلَامسَة الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة على غير معنى الْجِمَاع، إِذْ لَو أَرَادَ الْجِمَاع لَكَانَ فِيهِ مُخَالفَة الْآيَة صَرِيحًا، وَذَلِكَ مِمَّا لَا يجوز من مثله فِي علمه وفهمه وفقهه.

الثَّانِيَة: فِيهِ أَن رَأْي عمر وَعبد ارضي اعنهما، انْتِقَاض الطَّهَارَة بملامسة البشرتين، وَإِن الْجنب لَا يتَيَمَّم لقَوْله تَعَالَى: {وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا} (الْمَائِدَة: ٦) . الثَّالِثَة: قَالَ ابْن بطال: فِيهِ جَوَاز التَّيَمُّم للخائف من الْبرد. قلت: يجوز التَّيَمُّم للْجنب الْمُقِيم إِذا خَافَ الْبرد عِنْد أبي حنيفَة، خلافًا لصاحبيه. الرَّابِعَة: فِيهِ جَوَاز الِانْتِقَال فِي المحاجة من دَلِيل إِلَى دَلِيل آخر بِمَا فِيهِ الْخلاف إِلَى مَا عَلَيْهِ الِاتِّفَاق، وَذَلِكَ جَائِز للمتناظرين عِنْد تَعْجِيل الْقطع. وإلإفحام للخصم كَمَا فِي مُحَاجَّة إِبْرَاهِيم ونمرود عَلَيْهِ اللَّعْنَة، أَلا ترى أَن إِبْرَاهِيم لما قَالَ: {رَبِّي الَّذِي يحيي وَيُمِيت} (الْبَقَرَة: ٨٥٢) وَقَالَ نمْرُود: {أَنا أحيي وأميت} (الْبَقَرَة: ٨٥٢) لم يحْتَج إِلَى أَن يوقفه على كَيْفيَّة إحيائه وإماتته؟ بل انْتقل إِلَى قَوْله: {فَإِن ايأتي بالشمس من الْمشرق فأت بهَا من الْمغرب} (الْبَقَرَة: ٨٥٢) فأفحم نمْرُود عِنْد ذَلِك.

٨ - (بابُ التَيَمُّمِ ضَرْبَةً)

أَي: هَذَا بَاب يُقَال فِيهِ: التَّيَمُّم ضَرْبَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: بَاب التَّيَمُّم ضَرْبَة بِالنّصب، وَفِي بَعْضهَا بِالرَّفْع قلت: لم يبين وَجه ذَلِك. قلت: رِوَايَة الْكشميهني: بَاب، بِلَا تَنْوِين بل بِالْإِضَافَة إِلَى التَّيَمُّم، وضربة مَنْصُوب على الْحَال، وَالتَّقْدِير: هَذَا بَاب فِي بَيَان صفة التَّيَمُّم حَال كَونه ضَرْبَة وَاحِدَة، وَقد ذكرنَا أَن فِي صفة التَّيَمُّم أقوالاً، وَأَن رِوَايَة؛ ضَرْبَة وَاحِدَة، من رِوَايَة: ضربتين، عِنْد البُخَارِيّ، فَلذَلِك بوب عَلَيْهِ، وَرِوَايَة الْأَكْثَرين: بَاب، منون على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَقَوله؛ (التَّيَمُّم ضَرْبَة) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ خبر، وَالتَّيَمُّم، مُبْتَدأ.

٧٤٣٣١ - ح دّثنا مُحَمَّدُ بن سَلَامٍ قالَ أخْبَرَنَا أبُو مُعاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ قالَ كُنْتُ جالِساً مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فَقَالَ لَهُ أبُو مُوسَى لوْ أنَّ رَجُلاً أجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ المَاءَ شَهْراً أمَا كانَ يَتَيمَّمُ وَيُصَلِّي فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي سُورَةِ المَائِدَةِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذَا لأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ المَاءُ أنْ يَتَيَمَّمُوا الصَّعِيدَ قُلْتُ وَإنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا قالَ نَعَمَ فقالَ أبُو مُوسَى أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ بَعَثَنِي رسولُ الله فِي حاجَةٍ فأجْنَبْتُ فَلمْ أجِدِ المَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنبيِّ فقَالَ إِنَّما كانَ يَكفْيكَ أنْ تَصْنَعَ هَكَذَا فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأرْضِ ثُم نَفَضَها ثُم مَسَحَ بِهِما ظَهْرَ كفِّهِ بِشِمِالِهِ أوْ ظَهْرَ شِمِالِهِ بِكَفِّهِ ثُمَّ مَسَحَ بِهِما وَجْههُ فقالَ عَبْدُ اللَّهِ أفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ رَضِي اعنهما.

هَذِه طَريقَة أُخْرَى، وَهِي أتم من الطريقتين المذكورتين، عَن مُحَمَّد بن سَلام، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: هُوَ مُحَمَّد بن سَلام بتَخْفِيف اللَّام البيكندي عَن أبي مُعَاوِيَة الضَّرِير مُحَمَّد بن خازم بالمعجمتين عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن شَقِيق بن سَلمَة، وَهُوَ أَبُو وَائِل الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِق فِي الطَّرِيقَة الأولى، وَهِي رِوَايَة بشر بن خَالِد. قَوْله: (أجنب) أَي: إِذا صَار جنبا. قَوْله: (أما كَانَ يتَيَمَّم؟) والهمزة فِيهِ فِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (كَيفَ تصنع بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ عبد ا: لَا يتَيَمَّم وَإِن لم يجد المَاء شهرا) وَنَحْوه لأبي دَاوُد. (قَالَ: فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَكيف تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الْآيَة) ؟ ثمَّ الْهمزَة فِيهِ أما مقحمة وَإِمَّا للتقرير، و: مَا، نَافِيَة على أَصْلهَا، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ الْأَوَّلين وَقع جَوَابا: للو، إِمَّا على تَقْدِير الإقحام، فَإِن وجوده كَعَدَمِهِ، وَأما على تَقْدِير التَّقْرِير، فَإِنَّهُ لم يبْق على معنى الِاسْتِفْهَام الَّذِي هُوَ الْمَانِع من وُقُوعه جَزَاء للشّرط، وَالْقَوْل مُقَدّر قبل لَو. وَحَاصِله يَقُولُونَ: لَو أجنب رجل مَا تيَمّم، كَيفَ تَصْنَعُونَ؟ وعَلى التَّقْدِير الثَّالِث: وَقع جَوَابا: بِتَقْدِير القَوْل أَي: لَو أجنب رجل يُقَال فِي حَقه: إِمَّا يتَيَمَّم، وَيحْتَمل أَن يكون جَوَاب: لَو، هُوَ: فَكيف تَصْنَعُونَ؟ .

قَوْله: (فِي سُورَة الْمَائِدَة) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (فَكيف تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الْآيَة فِي سُورَة الْمَائِدَة؟) وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ لفظ: الْآي، وَقَوله: (فَلم تَجدوا) ، هُوَ بَيَان للمراد من الْآيَة،

<<  <  ج: ص:  >  >>