للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَإِن قلت: يبنيه على الْأَقَل. قلت: لَا وَجه لذَلِك أَيْضا، لِأَن ذَلِك لَا يوصله إِلَى مَا عَلَيْهِ، فَلَا يَبْنِي على الْأَقَل إلاّ عِنْد عدم وُقُوع تحريه على شَيْء، كَمَا ذكرنَا.

٢٣ - (بابُ مَا جاءَ فِي القِبْلَةِ وَمَنْ لَا يَرَى الإِعادَةَ عَلى منْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ القِبْلَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي أَمر الْقبْلَة، وَهُوَ بِخِلَاف مَا تقدم قبل هَذَا الْبَاب، فَإِن ذَاك فِي حكم التَّوَجُّه إِلَى الْقبْلَة، وَهَذَا فِي حكم من سَهَا فصلى إِلَى غير الْقبْلَة. وَأَشَارَ إِلَى حكم هَذَا بقوله: وَمن لم ير الْإِعَادَة. إِلَى آخِره. وَهَذَا بَاب فِيهِ الْخلاف، وَهُوَ أَن الرجل إِذا اجْتهد فِي الْقبْلَة فصلى إِلَى غَيرهَا فَهَل يُعِيد أم لَا؟

فَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ وَعَطَاء وَسَعِيد بن الْمسيب وَحَمَّاد: لَا يُعِيد، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه، وَإِلَيْهِ ذهب البُخَارِيّ. وَعَن مَالك كَذَلِك، وَعنهُ: يُعِيد فِي الْوَقْت اسْتِحْسَانًا. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر؛ وَهُوَ قَول الْحسن وَالزهْرِيّ، وَقَالَ الْمُغيرَة: يُعِيد أبدا. وَعَن حميد بن عبد الرَّحْمَن وطاووس وَالزهْرِيّ: يُعِيد فِي الْوَقْت. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن فرغ من صلَاته ثمَّ بَان لَهُ أَنه صلى إِلَى الْمغرب اسْتَأْنف الصَّلَاة، وَإِن لم يبن لَهُ ذَلِك إلَاّ بِاجْتِهَادِهِ فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن لم يتَيَقَّن الْخَطَأ فَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ، وَإِلَّا أعَاد وروى التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث أَنه قَالَ: (كُنَّا مَعَ النَّبِي فِي سفر فغيمت السَّمَاء وأشكلت علينا الْقبْلَة فصليناه وَأَعْلَمنَا، فَلَمَّا طلعت الشَّمْس إِذا نَحن قد صلينَا إِلَى غير الْقبْلَة، فَذَكرنَا ذَلِك للنَّبِي فَأنْزل اتعالى {فإينما توَلّوا فثم وَجه ا} (الْبَقَرَة: ٥١١)) . وروى الْبَيْهَقِيّ فِي (الْمعرفَة) من حَدِيث جَابر: (أَنهم صلوا فِي لَيْلَة مظْلمَة كل رجل مِنْهُم على حياله، فَذكرُوا ذَلِك للنَّبِي فَقَالَ: (مَضَت صَلَاتكُمْ) ، وَنزلت {فأينما توَلّوا فثم وَجه ا} (الْبَقَرَة: ٥١١) ويحتج بِهَذَيْنِ الْحَدِيثين لما ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة وَمن تبعه فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة. فَإِن قلت: قَالَ التِّرْمِذِيّ: لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: حَدِيث جَابر ضَعِيف قلت: رُوِيَ حَدِيث جَابر من ثَلَاث طرق: إِحْدَاهَا أخرجه الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) عَن مُحَمَّد بن سَالم عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَنهُ، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، وَمُحَمّد بن سَالم لَا أعرفهُ بعدالة وَلَا جرح. وَقَالَ الواحدي: مَذْهَب ابْن عمرَان: الْآيَة نازلة فِي التَّطَوُّع بالنافلة. وَقَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي اتعالى عَنْهُمَا: لما توفّي النَّجَاشِيّ جَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى النَّبِي، فَقَالَ: إِن النَّجَاشِيّ توفّي فصل عَلَيْهِ. فَقَالَ الصَّحَابَة فِي أنفسهم: كَيفَ نصلي على رجل مَاتَ وَلم يصلِّ إِلَى قبلتنا؟ وَكَانَ النَّجَاشِيّ يُصَلِّي إِلَى بَيت الْمُقَدّس إِلَى أَن مَاتَ، فَنزلت الْآيَة. وَقَالَ قَتَادَة: هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بقوله: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُم فَوَلوا وُجُوهكُم شطره} (الْبَقَرَة: ٤٤١) وَهِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: (وَمن لم ير الْإِعَادَة) ، وَفِي بعض النّسخ (وَمن لم يرى الْإِعَادَة) ، وَهُوَ عطف على قَوْله: (فِي الْقبْلَة) أَي: وَبَاب مَا جَاءَ فِيمَن لَا يرى إِعَادَة الصَّلَاة على من سَهَا فصلى إِلَى غير الْقبْلَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فصلى تَفْسِير لقَوْله: سَهَا، وَالْفَاء، تفسيرية. قلت: وَفِيه: بعد، وَالْأولَى إِن تكون للسَّبَبِيَّة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ألم تَرَ أَن اأنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة} (الْحَج: ٣٦) وَلَو قَالَ: بِالْوَاو، لَكِن أحسن على مَا لَا يخفى.

وقَد سَلَّمَ النبيُّ فِي رَكْعَتَيِ الظُّهْرِ وأقْبَلَ عَلى النَّاسِ بِوَجْهِهِ ثُمَّ أتَمَّ مَا بَقِيّ.

مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة من حَيْثُ عدم وجوب الْإِعَادَة على من صلى سَاهِيا إِلَى غير الْقبْلَة، وَهُوَ ظَاهر لِأَنَّهُ، فِي حَال إقباله على النَّاس دَاخل فِي حكم الصَّلَاة، وَأَنه فِي ذَلِك الزَّمَان ساهٍ مصلَ إِلَى غير الْقبْلَة؛ وَهَذَا التَّعْلِيق قِطْعَة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي اتعالى عَنهُ، فِي قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ، وَزعم ابْن بطال وَابْن التِّين أَنه طرف من حَدِيث ابْن مَسْعُود الَّذِي سلف، وَهَذَا وهم مِنْهُمَا، لِأَن حَدِيث ابْن مَسْعُود لَيْسَ فِي شَيْء من طرقه أَنه سلم من رَكْعَتَيْنِ.

٦٦ - (حَدثنَا عَمْرو بن عون قَالَ حَدثنَا هشيم عَن حميد عَن أنس قَالَ قَالَ عمر وَافَقت رَبِّي فِي ثَلَاث فَقلت يَا رَسُول الله لَو اتخذنا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى فَنزلت وَاتَّخذُوا من مقَام

<<  <  ج: ص:  >  >>