إِبْرَاهِيم مصلى وَآيَة الْحجاب قلت يَا رَسُول الله لَو أمرت نِسَاءَك أَن يحتجبن فَإِنَّهُ يكلمهن الْبر والفاجر فَنزلت آيَة الْحجاب وَاجْتمعَ نسَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْغيرَة عَلَيْهِ فَقلت لَهُنَّ عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن فَنزلت هَذِه الْآيَة) مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي الْجُزْء الأول وَهُوَ قَوْله " لَو اتخذنا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى " وَالْمرَاد من مقَام إِبْرَاهِيم الْكَعْبَة على قَول وَهِي قبْلَة وَالْبَاب فِيمَا جَاءَ فِي الْقبْلَة وعَلى قَول من فسر مقَام إِبْرَاهِيم بِالْحرم فالحرم كُله قبْلَة فِي حق الأفاقيين وَالْبَاب فِي أُمُور الْقبْلَة وَأما على قَول من فسر الْمقَام بِالْحجرِ الَّذِي وقف عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتكون الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة مُتَعَلقَة بالمتعلق بالقبلة لَا بِنَفس الْقبْلَة. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول عَمْرو بن عون أَبُو عُثْمَان الوَاسِطِيّ الْبَزَّاز بالزاي المكررة نزيل الْبَصْرَة مَاتَ سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي هشيم بِضَم الْهَاء وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن بشير بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَقد مر ذكره فِي أول كتاب التَّيَمُّم. الثَّالِث حميد الطَّوِيل وَقد تكَرر ذكره. الرَّابِع أنس بن مَالك. الْخَامِس عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه القَوْل. وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين واسطي وبصري وَفِيه رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صَحَابِيّ. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عَمْرو بن عون وَفِي التَّفْسِير أَيْضا عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن حميد بِقصَّة الْحجاب فَقَط وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن أَحْمد بن منيع عَن هشيم بالقصة الأولى وَعَن عبد بن حميد عَن حجاج وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن هناد عَن يحيى بن زَائِدَة عَن حميد بالقصة الأولى وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن حميد بالقصة الثَّانِيَة قصَّة الْحجاب وَعَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي عَن هشيم بالقصة الثَّالِثَة اجْتمع نساؤه فِي الْغيرَة وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَن هشيم بالقصة الأولى. (ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه) قَوْله " وَافَقت رَبِّي " من الْمُوَافقَة من بَاب المفاعلة الَّتِي تدل على مُشَاركَة اثْنَيْنِ فِي فعل ينْسب إِلَى أَحدهمَا مُتَعَلقا بِالْآخرِ وَالْمعْنَى فِي الأَصْل وَافقنِي رَبِّي فَأنْزل الْقُرْآن على وفْق مَا رَأَيْت وَلكنه رَاعى الْأَدَب فأسند الْمُوَافقَة إِلَى نَفسه لَا إِلَى الرب جلّ وَعز قَوْله " فِي ثَلَاث " أَي فِي ثَلَاثَة أُمُور وَإِنَّمَا لم يؤنث الثَّلَاث مَعَ أَن الْأَمر مُذَكّر لِأَن الْمُمَيز إِذا لم يكن مَذْكُورا جَازَ فِي لفظ الْعدَد التَّذْكِير والتأنيث (فَإِن قلت) حصلت الْمُوَافقَة لَهُ فِي أَشْيَاء غير هَذِه الثَّلَاث. مِنْهَا فِي أُسَارَى بدر حَيْثُ كَانَ رَأْيه أَن لَا يفدون فَنزل {مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى} وَمِنْهَا فِي منع الصَّلَاة على الْمُنَافِقين فَنزل {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا} وَمِنْهَا فِي تَحْرِيم الْخمر. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة حَدثنَا عَليّ بن زيد " عَن أنس قَالَ عمر وَافَقت رَبِّي فِي أَربع " وَذكر مَا فِي البُخَارِيّ قَالَ " وَنزلت {وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة من طين} إِلَى قَوْله {ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر} فَقلت أَنا {تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ} فَنزلت كَذَلِك ". وَمِنْهَا فِي شَأْن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا " لما قَالَ أهل الْإِفْك مَا قَالُوا فَقَالَ يَا رَسُول الله من زوجكها فَقَالَ الله تَعَالَى قَالَ أفتنظر أَن رَبك دلّس عَلَيْك فِيهَا {سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم} فَأنْزل الله ذَلِك " ذكره الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَامه وَقد ذكر أَبُو بكر ابْن الْعَرَبِيّ أَن الْمُوَافقَة فِي أحد عشر موضعا (قلت) يشْهد لذَلِك مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مصححا من حَدِيث ابْن عمر " مَا نزل بِالنَّاسِ أَمر قطّ فَقَالُوا فِيهِ وَقَالَ فِيهِ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَّا نزل فِيهِ الْقُرْآن على نَحْو مَا قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا يدل على كَثْرَة مُوَافَقَته فَإِذا كَانَ كَذَلِك فَكيف نَص على الثَّلَاث فِي الْعدَد (قلت) التَّخْصِيص بِالْعدَدِ لَا يدل على نفي الزَّائِد وَقيل يحْتَمل أَنه ذكر ذَلِك قبل أَن يُوَافق فِي أَربع وَمَا زَاد وَفِيه نظر لِأَن عمر أخبر بِهَذَا بعد موت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَا يتَّجه مَا ذكر من ذَلِك وَيُقَال يحْتَمل أَن الرَّاوِي اعتنى بِذكر الثَّلَاث دون مَا سواهَا لغَرَض لَهُ قَوْله " قلت " ويروى " فَقلت " قَوْله " لَو اتخذنا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى " جَوَاب لَو مَحْذُوف وَيجوز أَن يكون لَو لِلتَّمَنِّي فَلَا يحْتَاج إِلَى جَوَاب وَاخْتلفُوا فِيهِ فَقَالَ ابْن الصَّائِغ وَابْن هِشَام هِيَ قسم برأسها لَا يحْتَاج إِلَى جَوَاب كجواب الشَّرْط
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute