أبي حنيفَة لَيْسَ كَذَلِك، بل مذْهبه أَن من مَاتَ وَعَلِيهِ حجَّة الْإِسْلَام لم يلْزم الْوَرَثَة سَوَاء أوصى بِأَن يحجّ عَنهُ أَو لَا، خلافًا للشَّافِعِيّ فَإِن أوصى بِأَن يحجّ عَنهُ مُطلقًا يحجّ عَنهُ من ثلث مَاله، فَإِن بلغ من بَلَده يجب ذَلِك، وَإِن لم يبلغ أَن يحجّ من بَلَده فَالْقِيَاس أَن تبطل الْوَصِيَّة. وَفِي الِاسْتِحْسَان: يحجّ عَنهُ من حَيْثُ بلغ، وَإِن لم يُمكن أَن يحجّ عَنهُ بِثلث مَاله من مَكَان بطلت الْوَصِيَّة وَيُورث عَنهُ. وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة الْقيَاس، وَضرب الْمثل ليَكُون أوضح وأوقع فِي نفس السَّامع، وَأقرب إِلَى سرعَة فهمه. وَفِيه: تَشْبِيه مَا اخْتلف فِيهِ وأشكل بِمَا اتّفق عَلَيْهِ. وَفِيه: أَنه يسْتَحبّ للمفتي التَّنْبِيه على وَجه الدَّلِيل إِذا ترَتّب على ذَلِك مصلحَة، وَهُوَ أطيب لنَفس المستفتي وأدعى لإذعانه. وَفِيه: أَن وَفَاء الدّين المالي عَن الْمَيِّت كَانَ مَعْلُوما عِنْدهم مقررا، وَلِهَذَا حسن الْإِلْحَاق بِهِ. وَفِيه: مَا احْتج بِهِ الشَّافِعِيَّة على أَن من مَاتَ وَعَلِيهِ حج وَجب على وليه أَن يُجهز من يحجّ عَنهُ من رَأس مَاله، كَمَا أَن عَلَيْهِ قَضَاء دُيُونه، وَقَالُوا: أَلا ترى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شبه الْحَج بِالدّينِ وَهُوَ مقضي وَإِن لم يوص؟ وَلم يشْتَرط فِي إِجَازَته ذَلِك شَيْئا، وَكَذَلِكَ تشبيهه لَهُ بِالدّينِ يدل على أَن ذَلِك عَلَيْهِ من جَمِيع مَاله دون ثلث مَاله، كَسَائِر الدُّيُون، قُلْنَا: لَا نسلم ذَلِك، لِأَن الْمَيِّت لَيْسَ لَهُ حق إلَاّ فِي ثلث مَاله، وَدين الْعباد أقوى لأجل أَن لَهُ مطالبا بِخِلَاف دين الله تَعَالَى، فَلَا يعْتَبر إلَاّ من الثُّلُث لعدم المنازع فِيهِ. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: فِي الحَدِيث إِشْعَار بِأَن المسؤول عَنهُ خلف مَالا فَأخْبرهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن حق الله مقدم على حق الْعباد، وَاجِب عَلَيْهِ الْحَج عَنهُ. وَالْجَامِع عِلّة الْمَالِيَّة، وَاعْترض بِأَنا لَا نسلم ذَلِك، لِأَنَّهُ لَا يسْتَلْزم قَوْله: (أَكنت قاضية؟) أَن يكون ذَلِك مِمَّا خَلفه، وَيجوز أَن يكون تَبَرعا، وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.
٣٢ - (بابُ الحَجِّ عَمَّنْ لَا يَسْتَطِيعُ الثُّبُوتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْحَج عَن الشَّخْص الَّذِي لَا يَسْتَطِيع أَن يثبت على الرَّاحِلَة، وَهِي المركوب من الْإِبِل، وَقَالَ بَعضهم: أَي من الْإِحْيَاء، قلت: هَذَا تَفْسِير عَبث لِأَن الأذهان قطّ لَا تتبادر إِلَى الْأَمْوَات.
٣٥٨١ - حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ سُلَيْمانَ بنِ يَسارٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنِ الْفَضْلِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أنَّ امْرَأَة (ح) . حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حَدثنَا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ أبِي سَلَمَةَ قَالَ حدَّثنا ابنُ شِهَابٍ عَن سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ جاءَتِ امْرَأة مِنْ خَثْعَمٍ عامَ الوَدَاعِ قالَتْ يَا رسولَ الله إنَّ فَرِيضَةَ الله عَلَى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ أدْرَكَتْ أبِي شَيْخا كَبِيرا لَا يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهلْ يَقْضِي عَنْهُ أنْ أحُجَّ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز وَابْن شهَاب بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
قَوْله: (عَن ابْن شهَاب عَن سُلَيْمَان) وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من طَرِيق روح عَن ابْن جريج: أَخْبرنِي ابْن شهَاب حَدثنِي سُلَيْمَان بن يسَار عَن ابْن عَبَّاس، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب الَّتِي تَأتي فِي الاسْتِئْذَان: عَن ابْن شهَاب أَخْبرنِي سُلَيْمَان أَخْبرنِي عبد الله بن عَبَّاس. قَوْله: (عَن الْفضل بن عَبَّاس) ، كَذَا قَالَه ابْن جريج وَتَابعه معمر وَخَالَفَهُمَا مَالك وَأكْثر الروَاة عَن الزُّهْرِيّ فَلم يَقُولُوا فِيهِ: عَن الْفضل، وَرُوِيَ عَن التِّرْمِذِيّ أَنه قَالَ: سَأَلت مُحَمَّدًا يَعْنِي: البُخَارِيّ عَن هَذَا فَقَالَ: أصح شَيْء فِيهِ مَا روى ابْن عَبَّاس عَن الْفضل، قَالَ: فَيحْتَمل أَن يكون ابْن عَبَّاس سَمعه من الْفضل وَمن غَيره، ثمَّ رَوَاهُ بِغَيْر وَاسِطَة. قَوْله: (حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل) فِيهِ انْتِقَال من طَرِيق إِلَى طَرِيق آخر، وَإِنَّمَا رجح الرِّوَايَة عَن الْفضل لِأَنَّهُ كَانَ رَدِيف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَئِذٍ، وَكَانَ ابْن عَبَّاس قد تقدم من مُزْدَلِفَة إِلَى منى مَعَ الضعفة، كَمَا سَيَأْتِي عَن قريب، وَقد ذكر فِيمَا مضى فِي بَاب التَّلْبِيَة وَالتَّكْبِير من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْدف الْفضل فَأخْبر الْفضل أَنه لم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى الْجَمْرَة، فَكَأَن الْفضل حدث أَخَاهُ بِمَا شَاهده فِي تِلْكَ الْحَالة، وَقد يحْتَمل أَن يكون سُؤال
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute