للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز كَمَا فِي قتل الْخَطَأ، وَعَن أَحْمد كَقَوْلِنَا وَعنهُ: يجوز مُطلقًا، وَلنَا إِطْلَاق النُّصُوص وَآيَة الْقَتْل مُقَيّدَة بِالْإِيمَان، وَالْأَصْل فِي كل نَص أَن يعْمل بِمُقْتَضَاهُ إطلاقاً وتقييداً.

٣١ - (بابُ مَنْ مَلَكَ مِنَ الْعَرَبِ رَقيقاً فوَهَبَ وباَعَ وجامعَ وفَداى وسَباى الذُّرِّيَّةَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من ملك من الْعَرَب رَقِيقا، وَالْعرب الجيل الْمَعْرُوف من النَّاس وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَسَوَاء أَقَامَ بالبادية أَو المدن، والأعراب ساكنوا الْبَادِيَة من الْعَرَب الَّذين لَا يُقِيمُونَ فِي الْأَمْصَار وَلَا يدْخلُونَ بهَا إلَاّ لحَاجَة، وَالنّسب إِلَيْهَا أَعْرَابِي وعربي. وَاخْتلف فِي نسبتهم، وَالأَصَح: أَنهم نسبوا إِلَى عربة، بِفتْحَتَيْنِ: وَهِي من تهَامَة، لِأَن أباهم إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، نَشأ بهَا. قَوْله: (فوهب) إِلَى آخِره، تَفْصِيل قَوْله: ملك، فَذكر خَمْسَة أَشْيَاء: الْهِبَة وَالْبيع وَالْجِمَاع والفدى والسبي، وَذكر فِي الْبَاب أَرْبَعَة أَحَادِيث وَبَين فِي كلِّ حديثٍ حُكْمَ كلِّ وَاحِد مِنْهَا غير البيع، وَهُوَ أَيْضا مَذْكُور فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي بعض طرقه، كَمَا سَيَجِيءُ بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى، ومفعولات: وهب وَبَاعَ وجامع وفدى محذوفة. قَوْله: (وسبى) ، عطف على قَوْله: ملك (والذرية) نسل الثقلَيْن، يُقَال: ذرا الله الْخلق، أَي: خلقهمْ وَأَرَادَ البُخَارِيّ بِعقد هَذِه التَّرْجَمَة بَيَان الْخلاف فِي استرقاق الْعَرَب، وَالْجُمْهُور على أَن الْعَرَبِيّ إِذا سبي جَازَ أَن يسترق، وَإِذا تزوج أمة بِشَرْطِهِ كَانَ وَلَدهَا رَقِيقا تبعا لَهَا، وَبِه قَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ، وحجتهم أَحَادِيث الْبَاب، وَبِه قَالَ الْكُوفِيُّونَ: وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو ثَوْر: يلْزم سيد الْأمة أَن يقومه على أَبِيه ويلتزم أَبوهُ بأَدَاء الْقيمَة، وَلَا يسترق، وَهُوَ قَول سعيد بن الْمسيب، وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: لَا يسترق ولد عَرَبِيّ من أَبِيه، وَقَالَ اللَّيْث: أما مَا رُوِيَ عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من فدَاء ولد الْعَرَب من الولائد، إِنَّمَا كَانَ من أَوْلَاد الْجَاهِلِيَّة، وَفِيمَا أقرّ بِهِ الرجل من نِكَاح الْإِمَاء فَأَما الْيَوْم فَمن تزوج أمة وَهُوَ يعلم أَنَّهَا أمة، فولده عبد لسَيِّدهَا عَرَبيا كَانَ أَو قريشياً أَو غَيره.

وقوْلِهِ تَعَالَى: {ضرَبَ الله مَثَلاً عبْداً مَمْلُوكاً لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ ومَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وجَهْرَاً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لله بَلْ أكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (النَّحْل: ٥٧) .

وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: (من ملك) ، لِأَنَّهُ فِي مَحل الْجَرّ بِالْإِضَافَة، وَفِيه التَّقْدِير الْمَذْكُور، وَهُوَ: بَاب فِي بَيَان من ملك الْعَرَب، وَفِي ذكر قَول الله تَعَالَى: {ضرب الله مثلا} (النَّحْل: ٥٧) . وَفِي بعض النّسخ: وَقَول الله تَعَالَى.

قيل: وَجه مُنَاسبَة الْآيَة للتَّرْجَمَة من جِهَة أَن الله تَعَالَى أطلق العَبْد الْمَمْلُوك وَلم يُقَيِّدهُ بِكَوْنِهِ عجمياً، فَدلَّ على أَن لَا فرق فِي ذَلِك بَين الْعَرَبِيّ والعجمي.

قَوْله: {ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا} (النَّحْل: ٤٧) . لما نهى الله تَعَالَى الْمُشْركين عَن ضرب الْأَمْثَال بقوله: قبل هَذِه الْآيَة: {فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال} (النَّحْل: ٤٧) . أَي: الْأَشْبَاه والأشكال، إِن الله يعلم مَا يكون قبل أَن يكون وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، علمهمْ كَيفَ يضْرب الْأَمْثَال، فَقَالَ: مثلكُمْ فِي إشراككم بِاللَّه الْأَوْثَان من سوَّى بَين عبد مَمْلُوك عَاجز عَن التَّصَرُّف، وَبَين حر مَالك قد يرزقه الله مَالا، ويتصرف فِيهِ وَينْفق كَيفَ يَشَاء. قَوْله: (عبدا مَمْلُوكا) إِنَّمَا ذكر الْمَمْلُوك ليمين بَينه وَبَين الْحر، لِأَن اسْم العَبْد يَقع عَلَيْهِمَا إِذْ هما من عباد الله تَعَالَى. قَوْله: (لَا يقدر على شَيْء) أَي: لَا يملك مَا بِيَدِهِ وَإِن كَانَ بَاقِيا مَعَه، لِأَن للسَّيِّد انْتِزَاعه مِنْهُ وَيخرج مِنْهُ الْمكَاتب والمأذون لَهُ، لِأَنَّهُمَا يقدران على التَّصَرُّف. فَإِن قلت: من، فِي {وَمن رزقناه} (النَّحْل: ٥٧) . مَا هِيَ؟ قلت: الظَّاهِر أَنَّهَا مَوْصُوفَة كَأَنَّهُ قيل: وحراً رزقناه ليطابق عبدا، وَلَا يمْتَنع أَن تكون مَوْصُولَة، وَإِنَّمَا قَالَ: هَل يستوون، بِالْجمعِ، لِأَن الْمَعْنى: هَل يَسْتَوِي الْأَحْرَار وَالْعَبِيد، فَالْمُرَاد الشُّيُوع فِي الْجِنْس لَا التَّخْصِيص، ثمَّ قَالَ: {الْحَمد لله بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ} (النَّحْل: ٥٧) . أَن الْحَمد لي وَجَمِيع النعم مني. ثمَّ اعْلَم أَن الْمُفَسّرين اخْتلفُوا فِي معنى هَذِه الْآيَة، فَقَالَ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك: هَذَا الْمثل لله تَعَالَى وَمن عبد دونه، وَقَالَ قَتَادَة: هَذَا الْمثل لِلْمُؤمنِ وَالْكَافِر، فَذهب إِلَى أَن العَبْد الْمَمْلُوك هُوَ الْكَافِر، لِأَنَّهُ لَا ينْتَفع فِي الْآخِرَة بِشَيْء من عمله. قَوْله: {وَمن رزقناه منَّا رزقا حسنا} (النَّحْل: ٥٧) . هُوَ الْمُؤمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>