وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله:(من ملك) ، لِأَنَّهُ فِي مَحل الْجَرّ بِالْإِضَافَة، وَفِيه التَّقْدِير الْمَذْكُور، وَهُوَ: بَاب فِي بَيَان من ملك الْعَرَب، وَفِي ذكر قَول الله تَعَالَى:{ضرب الله مثلا}(النَّحْل: ٥٧) . وَفِي بعض النّسخ: وَقَول الله تَعَالَى.
قيل: وَجه مُنَاسبَة الْآيَة للتَّرْجَمَة من جِهَة أَن الله تَعَالَى أطلق العَبْد الْمَمْلُوك وَلم يُقَيِّدهُ بِكَوْنِهِ عجمياً، فَدلَّ على أَن لَا فرق فِي ذَلِك بَين الْعَرَبِيّ والعجمي.
قَوْله:{ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا}(النَّحْل: ٤٧) . لما نهى الله تَعَالَى الْمُشْركين عَن ضرب الْأَمْثَال بقوله: قبل هَذِه الْآيَة: {فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال}(النَّحْل: ٤٧) . أَي: الْأَشْبَاه والأشكال، إِن الله يعلم مَا يكون قبل أَن يكون وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، علمهمْ كَيفَ يضْرب الْأَمْثَال، فَقَالَ: مثلكُمْ فِي إشراككم بِاللَّه الْأَوْثَان من سوَّى بَين عبد مَمْلُوك عَاجز عَن التَّصَرُّف، وَبَين حر مَالك قد يرزقه الله مَالا، ويتصرف فِيهِ وَينْفق كَيفَ يَشَاء. قَوْله:(عبدا مَمْلُوكا) إِنَّمَا ذكر الْمَمْلُوك ليمين بَينه وَبَين الْحر، لِأَن اسْم العَبْد يَقع عَلَيْهِمَا إِذْ هما من عباد الله تَعَالَى. قَوْله:(لَا يقدر على شَيْء) أَي: لَا يملك مَا بِيَدِهِ وَإِن كَانَ بَاقِيا مَعَه، لِأَن للسَّيِّد انْتِزَاعه مِنْهُ وَيخرج مِنْهُ الْمكَاتب والمأذون لَهُ، لِأَنَّهُمَا يقدران على التَّصَرُّف. فَإِن قلت: من، فِي {وَمن رزقناه}(النَّحْل: ٥٧) . مَا هِيَ؟ قلت: الظَّاهِر أَنَّهَا مَوْصُوفَة كَأَنَّهُ قيل: وحراً رزقناه ليطابق عبدا، وَلَا يمْتَنع أَن تكون مَوْصُولَة، وَإِنَّمَا قَالَ: هَل يستوون، بِالْجمعِ، لِأَن الْمَعْنى: هَل يَسْتَوِي الْأَحْرَار وَالْعَبِيد، فَالْمُرَاد الشُّيُوع فِي الْجِنْس لَا التَّخْصِيص، ثمَّ قَالَ:{الْحَمد لله بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ}(النَّحْل: ٥٧) . أَن الْحَمد لي وَجَمِيع النعم مني. ثمَّ اعْلَم أَن الْمُفَسّرين اخْتلفُوا فِي معنى هَذِه الْآيَة، فَقَالَ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك: هَذَا الْمثل لله تَعَالَى وَمن عبد دونه، وَقَالَ قَتَادَة: هَذَا الْمثل لِلْمُؤمنِ وَالْكَافِر، فَذهب إِلَى أَن العَبْد الْمَمْلُوك هُوَ الْكَافِر، لِأَنَّهُ لَا ينْتَفع فِي الْآخِرَة بِشَيْء من عمله. قَوْله:{وَمن رزقناه منَّا رزقا حسنا}(النَّحْل: ٥٧) . هُوَ الْمُؤمن.