للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَول عَطاء، وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر، وَأما إِدْخَال الْعمرَة مَعَ الْحَج فَمِنْهُ مِنْهُ مَالك، وَهُوَ قَول إِسْحَاق وَأبي ثَوْر وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد، وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ، وَقَالُوا: يصير قَارنا، وَذكر أَنه قَول عَطاء، وَلكنه أَسَاءَ فِيمَا فعل. قلت: الْقيَاس عِنْد أبي حنيفَة أَن لَا يمْنَع من إِدْخَال عمْرَة على حج، لِأَن من أَصله أَن على الْقَارِن تعدد الطّواف وَالسَّعْي. قَوْله: (فَلم يحل حَتَّى حل) وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: حَتَّى أحل، بِزِيَادَة ألف فِي أَوله وَفتح الْحَاء، وَهِي لُغَة مَشْهُورَة، يُقَال: حل وَأحل. قَوْله: (مِنْهُمَا) أَي: من الْعمرَة وَالْحجّة.

٦٠١ - (بابُ منْ أشْعَرَ وقَلَّدَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ أحْرَمَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أشعر هَدْيه. وَفِي بَيَان من قَلّدهُ وَالْكَلَام فِي هذَيْن الْفَصْلَيْنِ على أَنْوَاع.

الأول: فِي تَفْسِير الْإِشْعَار لُغَة، وَهُوَ: من الشُّعُور فِي الأَصْل وَهُوَ الْعلم بالشَّيْء: من شعر يشْعر، من بَاب نصر ينصر، إِذا علم وأشعر من الْإِشْعَار بِكَسْر الْهمزَة وَهُوَ الْإِعْلَام.

النَّوْع الثَّانِي: فِي تَفْسِيره شرعا، وَهُوَ أَن يضْرب صفحة سنامها الْيُمْنَى بحديدة حَتَّى تتلطخ بِالدَّمِ ظَاهرا، وَلَا نظر إِلَى مَا فِيهِ من الإيلام لِأَنَّهُ لَا منع إلَاّ مَا مَنعه الشَّرْع، وَذكر الْقَزاز: أشعرها إشعارا وإشعارها أَن يوجأ أصل سنامها بسكين، سميت بِمَا حل فِيهَا، وَذَلِكَ لِأَن الَّذِي فعل بهَا عَلامَة تعرف بهَا. وَفِي (الْمُحكم) : هُوَ أَن يشق جلدهَا أَو يطعنها حَتَّى يظْهر الدَّم، وَزعم ابْن قرقول أَن إشعارها هُوَ تعليمها بعلامة بشق جلد سنامها عرضا من الْجَانِب الْأَيْمن، هَذَا عِنْد الْحِجَازِيِّينَ وَأما الْعِرَاقِيُّونَ فالإشعار عِنْدهم تقليدها بقلادة، وَقيل الْإِشْعَار أَن يكشط جلد الْبَدنَة حَتَّى يسيل دم ثمَّ يسلته، فَيكون ذَلِك عَلامَة على كَونهَا هَديا.

النَّوْع الثَّالِث: فِي كَيْفيَّة الْإِشْعَار، وَالِاخْتِلَاف الَّذِي فِيهَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: كَيْفيَّة الْإِشْعَار أَن يطعنها فِي أَسْفَل سنامها من الْجَانِب الْأَيْسَر حَتَّى يسيل الدَّم، وَعند الشَّافِعِي وَأحمد فِي قَول: الْأَيْمن، وَقَالَ السفاقسي: إِذا كَانَت الْبَدنَة ذللاً أشعرها من الْأَيْسَر، وَإِن كَانَت صعبة قرن بدنتين، ثمَّ قَامَ بَينهمَا وأشعر إِحْدَاهمَا من الْأَيْمن وَالْأُخْرَى من الْأَيْسَر. وَقَالَ ابْن قدامَة: وَعَن أَحْمد من الْجَانِب الْأَيْسَر، لِأَن ابْن عمر فعله، وَبِه قَالَ مَالك، وَحَكَاهُ ابْن حزم عَن مُجَاهِد، يَقُول: كَانُوا يستحبون الْإِشْعَار فِي الْجَانِب الْأَيْسَر. وَفِي (شرح الْمُوَطَّأ) للأشبيلي: وَجَائِز الْإِشْعَار فِي الْجَانِب الْأَيْمن، وَفِي الْجَانِب الْأَيْسَر، وَكَانَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، رُبمَا فعل هَذَا وَرُبمَا فعل هَذَا، وَأكْثر أهل الْعلم يستحبون فِي الْجَانِب الْأَيْمن، مِنْهُم الشَّافِعِي وَإِسْحَاق لحَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الظّهْر بِذِي الحليفة ثمَّ دَعَا ببدنة فأشعرها من صفحة سنامها الْيُمْنَى، ثمَّ سلت الدَّم عَنْهَا وقلدها بنعلين، أخرجه مُسلم، وَعند أبي دَاوُد: ثمَّ سلت الدَّم بِيَدِهِ، وَفِي لفظ: ثمَّ سلت الدَّم بإصبعه. وَقَالَ ابْن حبيب: يشْعر طولا، وَقَالَ السفاقسي عرضا، وَالْعرض عرض السنام من الْعُنُق إِلَى الذَّنب، وَقَالَ مُجَاهِد: أشعر من حَيْثُ شِئْت، ثمَّ قَالَ: والإشعار طولا فِي شقّ الْبَعِير أخذا من جِهَة مقدم الْبَعِير إِلَى جِهَة عَجزه، فَيكون مجْرى الدَّم عريضا فيتبين الْإِشْعَار، وَلَو كَانَ مَعَ عرض الْبَعِير كَانَ مجْرى الدَّم يَسِيرا خَفِيفا لَا يَقع بِهِ مَقْصُود الإعلان بِالْهَدْي.

النَّوْع الرَّابِع: فِي صفة الْإِشْعَار، ذهب جُمْهُور الْعلمَاء إِلَى أَن الْإِشْعَار سنة، وَذكر ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) بأسانيد جَيِّدَة عَن عَائِشَة وَابْن عَبَّاس: إِن شِئْت فأشعر وَإِن شِئْت فَلَا، وَقَالَ ابْن حزم فِي (الْمحلى) : قَالَ أَبُو حنيفَة: أكره الْإِشْعَار وَهُوَ مثلَة، وَقَالَ: هَذِه طامة من طوام الْعَالم أَن يكون مثلَة شَيْء فعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أفٍ لكل عقل يتعقب حكم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَيلْزمهُ أَن تكون الْحجامَة وَفتح الْعرق مثله، فَيمْنَع من ذَلِك. وَهَذِه قولة لَا نعلم لأبي حنيفَة فِيهَا مُتَقَدم من السّلف، وَلَا مُوَافق من فُقَهَاء عصره إلَاّ من ابتلاه الله تَعَالَى بتقليده. قلت: هَذَا سفاهة وَقلة حَيَاء، لِأَن الطَّحَاوِيّ الَّذِي هُوَ أعلم النَّاس بمذاهب الْفُقَهَاء، وَلَا سِيمَا بِمذهب أبي حنيفَة، ذكر أَن أَبَا حنيفَة لم يكره أصل الْإِشْعَار، وَلَا كَونه سنة، وَإِنَّمَا كره مَا يفعل على وَجه يخَاف مِنْهُ هلاكها لسراية الْجرْح، لَا سِيمَا فِي حر الْحجاز مَعَ الطعْن بِالسِّنَانِ، أَو الشَّفْرَة، فَأَرَادَ سد الْبَاب على الْعَامَّة، لأَنهم لَا يراعون الْحَد فِي ذَلِك، وَأما من وقف على الْحَد فَقطع الْجلد دون اللَّحْم فَلَا يكرههُ، وَذكر الْكرْمَانِي صَاحب الْمَنَاسِك عَنهُ استحسانه، قَالَ: وَهُوَ الْأَصَح، لَا سِيمَا إِذا كَانَ بمبضع وَنَحْوه، فَيصير كالفصد والحجامة، وَأما قَوْله: وَهَذِه قولة لَا نعلم لأبي حنيفَة فِيهَا مُتَقَدم من السّلف، فَقَوْل فَاسد، لِأَن ابْن بطال ذكر أَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَيْضا لَا يرى بالإشعار، وَلما روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلد نَعْلَيْنِ، وأشعر الْهَدْي فِي الشق الْأَيْمن بِذِي الحليفة

<<  <  ج: ص:  >  >>