فَقيل لَهُ طعم فَقَالَ وَالْمَاء لَهُ طعم وَهَذَا لَا انفكاك مِنْهُ لِأَن المَاء أرق من ريق السِّوَاك وَقد أَبَاحَ الله تَعَالَى الْمَضْمَضَة بِالْمَاءِ فِي الْوضُوء للصَّائِم قَوْله " بِشَيْء " أَي بِمَا لَا يتَعَلَّق بِالصَّلَاةِ قَوْله " إِلَّا غفر لَهُ " ويروى بِدُونِ كلمة الِاسْتِثْنَاء وَوجه الِاسْتِثْنَاء هُوَ الِاسْتِفْهَام الإنكاري الْمُفِيد للنَّفْي وَيحْتَمل أَن يُقَال المُرَاد لَا يحدث نَفسه بِشَيْء من الْأَشْيَاء فِي شَأْن الرَّكْعَتَيْنِ إِلَّا بِأَنَّهُ قد غفر لَهُ وَبَقِيَّة الْكَلَام مرت هُنَاكَ -
٨٢ - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا تَوَضَّأ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمِنْخرِهِ المَاءَ)
أَي: هَذَا بَاب فِيمَا جَاءَ من قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا تَوَضَّأ ... إِلَى آخِره، وَهَذِه الْقطعَة من حَدِيث لم يوصلها البُخَارِيّ وأوصلها مُسلم، وَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن رَافع، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق عَن همام، قَالَ: حَدثنَا معمر عَن قَتَادَة عَن همام بن مُنَبّه، قَالَ: حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة عَن مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكر أَحَادِيث مِنْهَا، وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا تَوَضَّأ أحدكُم فليستنشق بمنخريه من المَاء ثمَّ ليستنثر) ، وَفِي لفظ لَهُ من رِوَايَة الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة: (يبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِذا استجمر أحدكُم فليستجمر وترا، وَإِذا تَوَضَّأ أحدكُم فليجعل فِي أَنفه مَاء ثمَّ ليستنثر) . قَوْله: (إِذا تَوَضَّأ) أَي: أحدكُم، كَمَا فِي رِوَايَة مُسلم. قَوْله: (بمنخره) ، المنخر ثقب الْأنف، وَقد تكسر الْمِيم اتبَاعا للخاء.
ولَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الصَّائِمِ وغَيْرِهِ
هَذَا من كَلَام البُخَارِيّ، أَي: لم يُمَيّز النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الحَدِيث الْمَذْكُور بَين الصَّائِم وَغَيره، بل ذكره على الْعُمُوم، وَلَو كَانَ بَينهمَا فرق لميزه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَكِن جَاءَ تَمْيِيز الصَّائِم من غَيره فِي الْمُبَالغَة فِي ذَلِك كَمَا ورد فِي حَدِيث عَاصِم بن لَقِيط بن صبره عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: (بَالغ فِي الِاسْتِنْشَاق إلَاّ أَن تكون صَائِما) ، رَوَاهُ أَصْحَاب (السّنَن) وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَغَيره.
وَقَالَ الحَسَنُ لَا بأسَ بالسَّعُوطِ لِلصَّائِمِ إنْ لَمْ يصِلْ إلَى حَلْقِهِ ويَكْتَحِلُ
هَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن هِشَام عَنهُ نَحوه، والسعود بِفَتْح السِّين وَقد يرْوى بضَمهَا، هُوَ الدَّوَاء الَّذِي يصب فِي الْأنف. قَوْله: (إِن لم يصل) أَي: السعوط إِلَى حلقه، وَقيد بِهِ لِأَنَّهُ إِذا وصل إِلَى حلقه يضر صَوْمه وَيَقْضِي يَوْمًا. قَوْله: (ويكتحل) من كَلَام الْحسن، أَي: يكتحل الصَّائِم، يَعْنِي: يجوز للصَّائِم الاكتحال، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب مستقصىً.
وَقَالَ عَطَاءٌ إنْ تَمَضْمَضَ ثُمَّ أفْرَغَ مَا فِيهِ مِنَ المَاءِ لَا يَضِيرُهُ إنْ لَمْ يَزْدَرِدْ رِيقَهُ وماذَا بَقِيَ فِي فِيهِ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن الْمُبَارك عَن ابْن جريج عَنهُ، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ عَن قريب عِنْد قَوْله: وَقَالَ عَطاء قَتَادَة: يبتلع رِيقه. قَوْله: (لَا يضيره) ، من ضاره يضيره ضيرا، بِمَعْنى: ضره، وَهُوَ رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره: لَا يضرّهُ من ضره بِالتَّشْدِيدِ. قَوْله: (إِن لم يزدرد) أَي: لم يبلع رِيقه. قَوْله: (وماذا بَقِي فِي فِيهِ؟) أَي: فِي فَمه، وَهَذِه الْجُمْلَة وَقعت حَالا، وَقد ذكرنَا أَن فِي رِوَايَة البُخَارِيّ: (وَمَا بَقِي فِي فِيهِ) ، فكلمة: مَا، على رِوَايَة البُخَارِيّ مَوْصُولَة، وعَلى رِوَايَة: (مَاذَا بَقِي فِي فِيهِ) استفهامية، كَأَنَّهُ قَالَ: وَأي شَيْء يبْقى فِي فِيهِ بعد أَن يمج المَاء إلَاّ أثر المَاء؟ فَإِذا بلع رِيقه لَا يضرّهُ، وَفِي نُسْخَة صَاحب (التَّلْوِيح) : بِخَطِّهِ: لَا يضيره، لِأَنَّهُ لم يزدرد رِيقه أَي: يبلع رِيقه.
ولَا يَمْضَغُ العِلْكَ فانِ ازْدَرَدَ رِيقَ العِلْكِ لَا أقُولُ إنَّهُ يُفْطِرُ ولاكِنْ يُنْهَى عَنْهُ فإنْ اسْتَنْثَرَ فدَخَلَ المَاءَ حَلْقَهُ لَا بأسَ لأنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ
لَا يمضغ العلك بِكَلِمَة: لَا، رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: ويمضغ العلك، بِدُونِ كلمة لَا وَالْأول أولى، وَكَذَلِكَ أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج، قلت لعطاء: يمضغ الصَّائِم العلك؟ قَالَ: لَا. قلت: إِنَّه يمج ريق العلك وَلَا يزدرده وَلَا يمصه؟ قَالَ: نعم. وَقلت لَهُ: أيتسوك الصَّائِم؟ قَالَ: نعم. قلت: أيزدرد رِيقه؟ قَالَ: لَا. قلت: فَفعل أيضره؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن ينْهَى عَن ذَلِك، والعلك بِكَسْر