الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر. السَّادِس: فِيهِ جَوَاز إِطْلَاق الْأَخ على الرَّقِيق.
(بَاب {وإنْ طَائِفَتَانِ مِنْ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فأصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَسَمَّاهُمُ المُؤْمِنِينَ} )
الْكَلَام فِيهِ على وُجُوه. الأول: قَالَ الْكرْمَانِي: وَقع فِي كثير من نسخ البُخَارِيّ هَذِه الْآيَة، وَحَدِيث أحنف، ثمَّ حَدِيث أبي ذَر فِي بَاب وَاحِد بعد قَوْله تَعَالَى: {وَيغْفر مَا دون ذَلِك لمن يَشَاء} (النِّسَاء: ٤٨ و ١١٦) وَفِي بَعْضهَا على التَّرْتِيب الَّذِي ذَكرْنَاهُ. قلت: التَّرْتِيب الأول وَهُوَ رِوَايَة أبي ذَر عَن مشايخه، لَكِن سقط حَدِيث أبي بكرَة من رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَالتَّرْتِيب الثَّانِي الَّذِي مشينا عَلَيْهِ هُوَ رِوَايَة الْأصيلِيّ وَغَيره، وكل من الترتيبين حسن جيد. الثَّانِي: وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول أَن مرتكب الْمعْصِيَة لَا يكفر بهَا، وَأَن صفة الْإِيمَان لَا تسلب عَنهُ، فَكَذَلِك فِي هَذَا الْبَاب يبين مثل ذَلِك، لِأَن الْآيَة الْمَذْكُورَة فِيهِ فِي حق الْبُغَاة، وَقد سماهم الله تَعَالَى الْمُؤمنِينَ وَلم تسلب عَنْهُم صفة الْإِيمَان، وَبِهَذَا يرد على الْخَوَارِج والمعتزلة كَمَا ذكرنَا. الثَّالِث: قَوْله: (بَاب) لَا يعرب إلَاّ بعد تركيبه مَعَ شَيْء آخر، بِأَن يُقَال: هَذَا بَاب، وَنَحْو ذَلِك، ولايجوز إِضَافَته إِلَى مَا بعده. الرَّابِع: فِي معنى الْآيَة وَإِعْرَابه. فَقَوله {طَائِفَتَانِ} (الحجرات: ٩) تَثْنِيَة طَائِفَة، وَهِي الْقطعَة من الشَّيْء فِي اللُّغَة. وَفِي (الْعباب) : الطَّائِفَة من الشَّيْء الْقطعَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} (النُّور: ٢) قَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله عَنْهُمَا: الطَّائِفَة الْوَاحِد فَمَا فَوْقه، فَمن أوقع الطَّائِفَة على الْمُفْرد يُرِيد النَّفس الطَّائِفَة وَقَالَ مُجَاهِد: الطَّائِفَة الرجل الْوَاحِد إِلَى الْألف. وَقَالَ عَطاء: أقلهَا رجلَانِ. انْتهى. وَقَالَ الزّجاج: الَّذِي عِنْدِي أَن أقل الطَّائِفَة اثْنَان، وَقد حمل الشَّافِعِي وَغَيره من الْعلمَاء الطَّائِفَة فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن على أوجه مُخْتَلفَة بِحَسب المواطن، فَهِيَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة} (التَّوْبَة: ١٢٢) وَاحِد فَأكْثر، وَاحْتج بِهِ فِي قبُول خبر الْوَاحِد، وَفِي قَوْله تَعَالَى: {وليشهد عذابهما طَائِفَة} (النُّور: ٢) أَرْبَعَة، وَفِي قَوْله تَعَالَى: {فلتقم طَائِفَة مِنْهُم مَعَك} (النِّسَاء: ١٠٢) ثَلَاثَة، وَفرقُوا فِي هَذِه الْمَوَاضِع بِحَسب الْقَرَائِن، أما فِي الأولى، فَلِأَن الْإِنْذَار يحصل بِهِ، وَفِي الثَّانِيَة لِأَنَّهَا لبينة فِيهِ، وَفِي الثَّالِثَة لذكرهم بِلَفْظ الْجمع فِي قَوْله: {وليأخذوا أسلحتهم} (النِّسَاء: ١٠٢) إِلَى آخِره، وَأقله ثَلَاثَة على الْمَذْهَب الْمُخْتَار فِي قَول جُمْهُور أهل اللُّغَة وَالْفِقْه وَالْأُصُول. فَإِن قلت: فقد قَالَ الله تَعَالَى فِي آيَة الانذار: {ليتفقهوا فِي الدّين ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم} (التَّوْبَة: ١٢٢) وَهَذِه ضمائر جموع! قلت: إِن الْجمع عَائِد إِلَى الطوائف الَّتِي تَجْتَمِع من الْفرق قَوْله: (وَإِن) للشّرط. وَالتَّقْدِير: وَإِن اقتتل طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ. وَقَوله: (فأصلحوا) جَوَاب الشَّرْط. الْخَامِس: دلّت الْآيَة أَن الْمُؤمن لَا يُخرجهُ فسقه ومعاصيه عَن الْمُؤمنِينَ، وَلَا يسْتَحق بذلك الخلود فِي النَّار، وَقد قَالَ الْعلمَاء: فِي هَذِه الْآيَة دَلِيل على وجوب قتال الفئة الباغية على الإِمَام أَو على آحَاد الْمُسلمين، وعَلى فَسَاد قَول من منع من قتال الْمُؤمنِينَ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (سباب الْمُؤمن فسوق وقتاله كفر) ، بل هُوَ مَخْصُوص بِغَيْر الْبَاغِي لِأَن الله تَعَالَى أَمر بِهِ فِي الْآيَة، فَلَو كَانَ كفرا لما أَمر بِهِ، بل الحَدِيث مَعَ حَدِيث أبي بكرَة، رَضِي الله عَنهُ، الْمَذْكُور فِي الْبَاب مَحْمُول على قتال العصبية وَنَحْوه، وَقد ذكر الواحدي وَغَيره أَن سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة مَا جَاءَ عَن أنس، قَالَ: (قيل: يَا نَبِي الله لَو أتيت عبد الله بن أبي، فَانْطَلق إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يركب حِمَاره، وَانْطَلق الْمُسلمُونَ يَمْشُونَ، وَهِي أَرض سبخَة، فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِلَيْك، فوَاللَّه لقد آذَانِي نَتن حِمَارك، فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار: وَالله لحِمَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطيب ريحًا مِنْك، فَغَضب لعبد الله رجل من قومه، وَغَضب لكل وَاحِد مِنْهُمَا أَصْحَابه، وَكَانَ بَينهمَا ضرب بِالْجَرِيدِ وَالْأَيْدِي وَالنعال) . فَإِن قلت: قَالَ أَولا: اقْتَتَلُوا، بِلَفْظ الْجمع، وَثَانِيا: بَينهمَا، بِلَفْظ التَّثْنِيَة فَمَا تَوْجِيهه؟ قلت: نظر فِي الأول إِلَى الْمَعْنى، وَفِي الثَّانِي إِلَى اللَّفْظ، وَذَلِكَ سَائِغ ذائع، وَقَرَأَ ابْن أبي عبلة: اقتتلتا، وَقَرَأَ عمر بن عبيد: اقتتلا، على تَأْوِيل الرهطين أَو النفرين. قَوْله: (فسماهم الْمُؤمنِينَ) أَي: سمى الله تَعَالَى أهل الْقِتَال مُؤمنين، فَعلم أَن صَاحب الْكَبِيرَة لَا يخرج عَن الْإِيمَان.
٣١ - حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ المُبَارَكِ حدّثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حدّثنا أيُّوبُ ويُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ الأحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قالَ ذَهَبْتُ لَانْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِيَنِي أبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أيْنَ تُرِيدُ قُلْتُ أنُصُرُ هَذَا الرَّجُلَ قالَ ارْجِعْ فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ إذَا الْتَقَى المُسْلِمَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute