للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علل نقض الطَّهَارَة بِخُرُوج الدَّم من الْعرق، وكل دم يبرز من الْبدن فَإِنَّمَا يبرز من عرق، لِأَن الْعُرُوق هِيَ مجاري الدَّم من الْجَسَد. وَقَالَ الْخطابِيّ: وَلَيْسَ معنى الحَدِيث مَا ذهب إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ، وَلَا مُرَاد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَلِك مَا توهموه، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن هَذِه الْعلَّة إِنَّمَا حدثت بهَا من تصدع الْعرق، وتصدع الْعرق عِلّة مَعْرُوفَة عِنْد الْأَطِبَّاء يحدث ذَلِك عِنْد غَلَبَة الدَّم فتتصدع الْعُرُوق إِذا امْتَلَأت تِلْكَ الأوعية. قلت: لَيْسَ معنى الحَدِيث مَا ذهب إِلَيْهِ الْخطابِيّ، لِأَنَّهُ قيد إِطْلَاق الحَدِيث وخصص عُمُومه من غير مُخَصص، وَهُوَ تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَهُوَ بَاطِل.

السَّابِع: قَوْله: (لكل صَلَاة) فِيهِ خلاف بَين الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة، وَهُوَ أَن الْمُسْتَحَاضَة وَمن بمعناها من أَصْحَاب الْأَعْذَار هَل يتوضؤون لكل صَلَاة، أَو لكل وَقت صَلَاة، وَهُوَ مَذْكُور فِي كتب الْفِقْه.

٦٤ - (بابُ غسْلِ المَنِيِّ وفَرْكِهِ وغَسْل مَا يُصِيبُ مِنَ المَرْأَةِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم غسل الْمَنِيّ عِنْد كَونه رطبا، وَبَيَان حكم فركه عِنْد كَونه يَابسا، والفرك هُوَ الدَّلْك حَتَّى يذهب أَثَره. والمني، بتَشْديد الْيَاء؛ مَاء خاثر أَبيض يتَوَلَّد مِنْهُ الْوَلَد، وينكسر بِهِ الذّكر، ورائحته رَائِحَة الطّلع. قَوْله: (وَغسل مَا يُصِيب) أَي: وَفِي بَيَان غسل مَا يُصِيب الثَّوْب أَو الْجَسَد من الْمَرْأَة عِنْد مخالطته إِيَّاهَا. وَهَذِه التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على ثَلَاثَة أَحْكَام، وَلم يذكر فِي هَذَا الْبَاب إلَاّ حكم غسل الْمَنِيّ، وَذكر الحكم الثَّالِث فِي أَوَاخِر كتاب الْغسْل من حَدِيث عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ بَعضهم: لم يخرج البُخَارِيّ حَدِيث الفرك، بل اكْتفى بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ فِي التَّرْجَمَة على عَادَته، لِأَنَّهُ ورد من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَيْضا. قلت: هَذَا اعتذار بَارِد، لِأَن الطَّرِيقَة أَنه إِذا ترْجم الْبَاب بِشَيْء يَنْبَغِي أَن يذكرهُ، وَقَوله: بل أكتفي بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ كَلَام واهٍ، لِأَن الْمَقْصُود من التَّرْجَمَة معرفَة حَدِيثهَا، وإلَاّ فمجرد ذكر التَّرْجَمَة لَا يُفِيد شَيْئا، والْحَدِيث الَّذِي فِي هَذَا الْبَاب لَا يدل على الفرك، وَلَا على غسل مَا يُصِيب من الْمَرْأَة، وَاعْتذر الْكرْمَانِي عَنهُ بقوله: وَاكْتفى بإيراد بعض الحَدِيث، وَكَثِيرًا يَقُول مثل ذَلِك، أَو كَانَ فِي قَصده أَن يضيف إِلَيْهِ مَا يتَعَلَّق بِهِ وَلم يتَّفق لَهُ، أَو لم يجد رُوَاته بِشَرْطِهِ. قلت: كل هَذَا لَا يجدي، وَلَكِن حبك للشَّيْء يعمي ويصم، ثمَّ إِن بَعضهم ذكر فِي أول هَذَا الْبَاب كلَاما لَا يذكرهُ من لَهُ بَصِيرَة وروية، وَفِيه رد لما ذهب إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّة، وَمَعَ هَذَا أَخذ كَلَامه هَذَا من كَلَام الْخطابِيّ مَعَ تَغْيِير، وَهُوَ أَنه قَالَ: وَلَيْسَ بَين حَدِيث الْغسْل وَحَدِيث الفرك تعَارض، لِأَن الْجمع بَينهمَا وَاضح على القَوْل بِطَهَارَة الْمَنِيّ، بِأَن يحمل الْغسْل على الِاسْتِحْبَاب للتنظيف لَا على الْوُجُوب، وَهَذِه طَريقَة الشَّافِعِي وَأحمد وَأَصْحَاب الحَدِيث، وَكَذَا الْجمع مُمكن على القَوْل بِنَجَاسَتِهِ بِأَن يحمل الْغسْل على مَا كَانَ رطبا، والفرك على مَا كَانَ يَابسا، وَهَذِه طَريقَة، والطريقة الأولى أرجح، لِأَن فِيهَا الْعَمَل بالْخبر وَالْقِيَاس مَعًا، لِأَنَّهُ لَو كَانَ نجسا لَكَانَ الْقيَاس وجوب غسله دون الِاكْتِفَاء بفركه كَالدَّمِ وَغَيره، وهم لَا يكتفون فِيمَا لَا يُعْفَى عَنهُ من الدَّم بالفرك. قلت: من هُوَ الَّذِي ادّعى تَعَارضا بَين الْحَدِيثين الْمَذْكُورين حَتَّى يحْتَاج إِلَى التَّوْفِيق، وَلَا نسلم التَّعَارُض بَينهمَا أصلا، بل حَدِيث الْغسْل يدل على نَجَاسَة الْمَنِيّ بِدلَالَة غسله، وَكَانَ هَذَا هُوَ الْقيَاس أَيْضا فِي يابسه، وَلَكِن خص بِحَدِيث الفرك، وَقَوله بِأَن يحمل الْغسْل على الِاسْتِحْبَاب للتنظيف لَا على الْوُجُوب كَلَام واه، وَهُوَ كَلَام من لَا يدْرِي مَرَاتِب الْأَمر الْوَارِد من الشَّرْع، فأعلى مَرَاتِب الْأَمر الْوُجُوب وَأَدْنَاهَا الْإِبَاحَة، وَهنا لَا وَجه للثَّانِي، لِأَنَّهُ، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، لم يتْركهُ على ثَوْبه أبدا، وَكَذَلِكَ الصَّحَابَة من بعده، ومواظبته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على فعل شَيْء من غير ترك فِي الْجُمْلَة يدل على الْوُجُوب بِلَا نزاع فِيهِ، وَأَيْضًا الأَصْل فِي الْكَلَام الْكَمَال، فَإِذا أطلق اللَّفْظ ينْصَرف إِلَى الْكَامِل، اللَّهُمَّ إلَاّ أَن ينْصَرف ذَلِك بِقَرِينَة تقوم فتدل عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَهُوَ فحوى كَلَام أهل الْأُصُول إِن الْأَمر الْمُطلق أَي: الْمُجَرّد عَن الْقَرَائِن، يدل على الْوُجُوب. ثمَّ قَوْله: والطريقة الأولى أرجح ... الخ غير رَاجِح، فضلا أَن يكون أرجح بل هُوَ غير صَحِيح، لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا: الْعَمَل بالْخبر، وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن من يَقُول بطهرة الْمَنِيّ يكون غير عَامل بالْخبر، لِأَن الْخَبَر يدل على نَجَاسَته، كَمَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ قَوْله فِيهَا: الْعَمَل بِالْقِيَاسِ غير صَحِيح، لِأَن الْقيَاس وجوب غسله مُطلقًا، وَلَكِن خص بِحَدِيث الفرك لما ذكرنَا. فان قلت: مَا لَا يجب غسل يابسه لَا يجب غسل رطبه كالمخاط. قلت: لَا نسلم أَن الْقيَاس صَحِيح، لِأَن المخاط لَا يتَعَلَّق بِخُرُوجِهِ حدث مَا أصلا، والمنى مُوجب لأكبر الحدثين، وَهُوَ الْجَنَابَة. فان قلت: سُقُوط الْغسْل فِي يابسه يدل

<<  <  ج: ص:  >  >>