ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (الْمُسلم أَخُو الْمُسلم) ، يَعْنِي أَخُوهُ فِي الْإِسْلَام، وكل شَيْئَيْنِ يكون بَينهمَا اتِّفَاق تطلق عَلَيْهِمَا اسْم الْأُخوة. وَقَوله: الْمُسلم، تنَاول الْحر وَالْعَبْد والبالغ والمميز. قَوْله: (وَلَا يَظْلمه) ، نفي بِمَعْنى الْأَمر وَهُوَ من بَاب التَّأْكِيد، لِأَن ظلم الْمُسلم للْمُسلمِ حرَام. قَوْله: (وَلَا يُسلمهُ) ، قد فسرناه الْآن، وَزَاد الطَّبَرَانِيّ فِي رِوَايَته عَن سَالم: وَلَا يُسلمهُ فِي مصيبته. وَقَالَ ابْن التِّين: لَا يَظْلمه فرض، وَلَا يُسلمهُ مُسْتَحبّ. وَظَاهر كَلَام الدَّاودِيّ أَنه كظلمه، قَالَ: وَفِيه تَفْصِيل الْوُجُوب إِذا فجئه عَدو وَشبه ذَلِك، والاستحباب فِيمَا كَانَ من إِعَانَة فِي شَيْء من الدُّنْيَا. وَقَالَ ابْن بطال: نصر الْمَظْلُوم فرض كِفَايَة وتتعين فرضيته على السُّلْطَان. قلت: الْوُجُوب والاستحباب بِحَسب اخْتِلَاف الْأَحْوَال، والستر على الْمُسلم لَا يمْنَع الْإِنْكَار عَلَيْهِ خُفْيَة وَهَذَا فِي غير المجاهر، وَأما المجاهر فخارج عَن هَذَا وَلَا غيبَة لَهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَتَرْعَوْنَ عَن ذكر الْفَاجِر؟ مَتى يعرفهُ النَّاس؟ أذكروه بِمَا فِيهِ يحذرهُ النَّاس) ، رَوَاهُ صَاحب (التَّلْوِيح) : بِإِسْنَادِهِ عَن بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : هُوَ ضَعِيف، وجد بهز هُوَ مُعَاوِيَة بن حيدة بن مُعَاوِيَة الْقشيرِي، وَعَن يحيى بن معِين بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده إِسْنَاده صَحِيح إِذا كَانَ دونه ثِقَة. وَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم: سَمِعت أبي يَقُول: بهز شيخ يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: ثِقَة، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: هُوَ حجَّة عِنْدِي، اسْتشْهد بِهِ البُخَارِيّ فِي (الصَّحِيح) وروى لَهُ فِي (الْأَدَب) وروى لَهُ الْأَرْبَعَة. قَوْله: (كربةَ) ، بِضَم الْكَاف: وَهُوَ الْغم الَّذِي يَأْخُذ النَّفس، وَكَذَلِكَ الكرب على وزن الضَّرْب، تَقول مِنْهُ: كربه الْغم إِذا اشْتَدَّ عَلَيْهِ. قَوْله: (من كربات) ، جمع كربَة، ويروى: من كرب، بِضَم الْكَاف وَفتح الرَّاء. وَابْن التِّين اقْتصر على الأول، وَقَالَ: ضبط بِضَم الرَّاء وَيجوز فتحهَا وإسكانها. قَوْله: (وَمن ستر مُسلما) ، أَي: رَآهُ على قَبِيح فَلم يظهره للنَّاس، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي ترك الْإِنْكَار عَلَيْهِ خُفْيَة.
وَفِي الحَدِيث: حض على التعاون وَحسن المعاشرة والإلفة والستر على الْمُؤمن وَترك التسمع بِهِ والإشهار لذنوبه. وَفِيه: أَن المجازاة قد تكون فِي الْآخِرَة من جنس الطَّاعَة فِي الدُّنْيَا، وَهَذَا الحَدِيث يحتوي على كثير من آدَاب الْمُسلمين. وَقَالَ الْكرْمَانِي: السّتْر إِنَّمَا هُوَ فِي مَعْصِيّة وَقعت وَانْقَضَت، أما فِيمَا تلبس الشَّخْص فَيجب الْمُبَادرَة بإنكارها وَمنعه مِنْهَا، وَأما مَا يتَعَلَّق بِجرح الروَاة وَالشُّهُود فَلَا يحل السّتْر عَلَيْهِم، وَلَيْسَ هَذَا من الْغَيْبَة الْمُحرمَة، بل من النَّصِيحَة الْوَاجِبَة.
٤ - (بابٌ أعِنْ أخاكَ ظالِماً أوْ مَظْلُوماً)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِعَانَة أَخِيه سَوَاء كَانَ ظَالِما أَو مَظْلُوما.
٣٤٤٢ - حدَّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ قَالَ حدَّثنا هُشَيْمٌ أخبرنَا عُبيدُ الله بنُ أبي بَكْرِ بنِ أنَسٍ وحُمَيدٌ الطَّوِيلُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يقُولُ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْصُرْ أخاكَ ظالِماً أوْ مَظْلُوماً.
٤٤٤٢ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا مُعْتَمِرٌ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أَنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْصُرْ أخاكَ ظالِماً أوْ مظْلُوماً قَالُوا يَا رسولَ الله هاذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُوماً فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظالِماً قَالَ تأخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ. (انْظُر الحَدِيث ٣٤٤٢ وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما) . فَإِن قلت: الحَدِيث: أنْصر أَخَاك. قلت: النُّصْرَة تَسْتَلْزِم الْإِعَانَة فَيَكْفِي هَذَا الْمِقْدَار فِي وَجه الْمُطَابقَة. وَقيل: أَشَارَ بِلَفْظ الْإِعَانَة إِلَى مَا رُوِيَ عَن جَابر مَرْفُوعا: أعن أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما، أخرجه أَبُو نعيم فِي (مستخرجه) من الْوَجْه الَّذِي أخرجه مِنْهُ البُخَارِيّ بِهَذَا اللَّفْظ، وروى هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين: الأول: عَن عُثْمَان مُخْتَصرا، والْحَدِيث من أَفْرَاده، وهشيم مصغر هشم ابْن بشير مصغر بشر الوَاسِطِيّ، وَعبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ. قَوْله: (سمع) ، الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى: حميد، ويروى: سمعا، بالتثنية وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى: حميد وَعبيد الله. الطَّرِيق الثَّانِي: عَن مُسَدّد عَن مُعْتَمر بِلَفْظ الْفَاعِل من الاعتمار ابْن سُلَيْمَان الْبَصْرِيّ عَن حميد الطَّوِيل، وَفِي هَذَا من الزِّيَادَة، وَهِي قَوْله: قَالُوا: يَا رَسُول الله ... إِلَى آخِره، وَهِي رِوَايَة أبي الْوَقْت. وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي الْإِكْرَاه:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute