الْخَبَر بِذكر النَّائِم ثَابت، وَقد قَالَ فِيهِ: لَا كَفَّارَة لَهَا، وَالْكَفَّارَة قد تكون عَن الْخَطَأ كَمَا تكون عَن الْعمد. قلت: كَمَا فِي قتل الْخَطَأ، فَإِن فِيهِ الْكَفَّارَة، وَيُجَاب بِهَذَا أَيْضا عَن اعْتِرَاض معترض بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان) . وَأَيْضًا إِنَّهُم لما توهموا أَن فِي هَذَا الْفِعْل كَفَّارَة، بيَّن لَهُم أَن لَا كَفَّارَة فِيهَا، وَإِنَّمَا يجب الْقَضَاء فَقَط من غير شَيْء آخر. وَقَالَ بَعضهم: وجوب الْقَضَاء بِالْخِطَابِ الأول. قلت: لَيْسَ على إِطْلَاقه، بل فِيهِ خلاف بَين الْأُصُولِيِّينَ فِي أَن وُجُوبه بِأَمْر جَدِيد أَو بِالْأَمر الأول.
الثَّانِي: فِيهِ دَلِيل على أَن أحدا لَا يُصَلِّي عَن أحد، وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِي.
الثَّالِث: فِيهِ دَلِيل أَيْضا أَن الصَّلَاة لَا تجبر بِالْمَالِ كَمَا يجْبر الصَّوْم وَغَيره، أللَّهم إلَاّ إِذا كَانَت عَلَيْهِ صلوَات فَائِتَة فحضره الْمَوْت فأوصى بالفدية عَنْهَا، فَإِنَّهُ يجوز كَمَا بَين فِي (الْفُرُوع) .
الرَّابِع: أَن بَعضهم احْتج بقوله: إِذا ذكر، على جَوَاز قَضَاء الْفَوَائِت فِي الْوَقْت الْمنْهِي عَن الصَّلَاة فِيهِ. قلت: لَيْسَ بِلَازِم أَن يُصَلِّي فِي أول حَال الذّكر، غَايَة مَا فِي الْبَاب أَن ذكره سَبَب لوُجُوب الْقَضَاء، فَإِذا ذكرهَا فِي الْوَقْت الْمنْهِي وأخرها إِلَى أَن يخرج ذَلِك وَصلى، يكون عَاملا بِالْحَدِيثين: أَحدهمَا هَذَا، وَالْآخر: حَدِيث النَّهْي فِي الْوَقْت الْمنْهِي عَنهُ.
قَالَ مُوسَى قَالَ همَّامٌ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ وأقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي
أَي: قَالَ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَهُوَ أحد الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورين فِي أول الحَدِيث: سمعته، يَعْنِي: سَمِعت قَتَادَة يَقُول بعد، بِضَم الدَّال، أَي: بعد زمَان رِوَايَة الحَدِيث، حَاصله أَن هماما سَمعه من قَتَادَة مرّة بِلَفْظ: للذِّكْرَى، يَعْنِي: بِقِرَاءَة ابْن شهَاب الَّتِي ذَكرنَاهَا، وَمرَّة بِلَفْظ: لذكري: أَي: بِالْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَة. وَقد اخْتلف فِي هَذِه: هَل هِيَ من كَلَام قَتَادَة؟ أَو هِيَ من قَول النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن هداب، قَالَ قَتَادَة: {وأقم الصَّلَاة لذكري} (طه: ١٤) . وَفِي رِوَايَته الْأُخْرَى من طَرِيق الْمثنى عَن قَتَادَة، قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا رقد أحدكُم عَن الصَّلَاة أَو غفل عَنْهَا فليصلها إِذا ذكرهَا فَإِن الله تَعَالَى يَقُول: {أقِم الصَّلَاة لذكري} (طه: ١٤) . وَهَذَا ظَاهر أَن الْجَمِيع من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ حَبَّانُ حدَّثنا هَمَّامُ قالَ حدَّثنا قَتَادَةُ حدَّثنا أنسٌ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نحوَهُ
أَشَارَ بِهَذَا التَّعْلِيق إِلَى بَيَان سَماع قَتَادَة من أنس لِأَنَّهُ صرح فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ، لِأَن قَتَادَة من المدلسين، وروى عَنهُ أَولا بِلَفْظ: عَن أنس، فَأَرَادَ أَن يقويه بالرواية عَنهُ بِلَفْظ: حَدثنَا أنس، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو عوَانَة فِي (صَحِيحه) عَن عمار بن رَجَاء عَن حبَان، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن هِلَال، وَفِيه: أَن همام بن يحيى سَمعه من قَتَادَة مرَّتَيْنِ، كَمَا فِي رِوَايَة مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
(بَاب قضَاءِ الصَّلَوَاتِ الأُولَى فَالأُولَى)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم قَضَاء الصَّلَوَات الْفَائِتَة، والصلوات بِالْجمعِ رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: (قَضَاء الصَّلَاة) بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (الأولى) ، بِضَم الْهمزَة، أَي: حَال كَون الصَّلَاة الأولى فِي الْقَضَاء من الصَّلَوَات الْفَائِتَة، أَرَادَ أَنه يقدم الأولى ثمَّ الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ الأولى أَيْضا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّالِثَة، ثمَّ الثَّالِثَة الَّتِي هِيَ الأولى بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّابِعَة، وهلم جرا.
٥٩٨ - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيى عنْ هِشَامٍ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى هُوَ ابنُ أبي كَثِيرٍ عَنْ أبي سَلَمَةَ عنْ جَابِرٍ قَالَ جعَلَ عُمَرُ يَوْمَ الخَنْدَقِ يَسُبُّ كُفَّارَهُمْ وَقَالَ يَا رسولَ الله مَا كِدْتُ أصَلِّي العَصْرَ حَتَّى غَرَبَتْ قَالَ فَنَزَلْنَا بُطْحَانَ فَصَلَّى بَعْدَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ. .
هَذَا الحَدِيث قد مر فِي: بَاب من صلى بِالنَّاسِ جمَاعَة، قبل هَذَا الْبَاب بِبَاب، وَأخرجه هُنَاكَ: عَن معَاذ بن فضَالة عَن هِشَام عَن يحيى. وَهَهُنَا: عَن مُسَدّد عَن هِشَام الدستوَائي عَن يحيى ابْن أبي كثير، وَقَالَ بَعضهم: وَيحيى الْمَذْكُور فِيهِ هُوَ الْقطَّان، وَكَذَا قَالَ الْكرْمَانِي. قلت: هُوَ غلط، لِأَن البُخَارِيّ صرح فِيهِ بقوله: يحيى هُوَ ابْن أبي كثير، ضد الْقَلِيل، وَاسم أبي كثير: صَالح