للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فعلى هَذَا تعين الشَّك من الْأَعْمَش، لَكِن مَوْضِعه مُخْتَلف. قَوْله: (فَغسل مذاكيره) هُوَ جمع ذكر على خلاف الْقيَاس كَأَنَّهُمْ فرقوا بَين الذّكر الَّذِي هُوَ خلاف الْأُنْثَى، وَالذكر الَّذِي هُوَ الْفرج فِي الْجمع، وَقَالَ الْأَخْفَش: هُوَ جمع لَا وَاحِد لَهُ، كأبابيل. قلت قيل: إِن الأبابيل جمع أبول: كعجاجيل جمع عجول. وَقيل: هُوَ جمع مذكار، وَلَكنهُمْ لم يستعملوه وتركوه، والنكتة فِي ذكره بِلَفْظ الْجمع الْإِشَارَة إِلَى تَعْمِيم غسل الخصيتين وحواليهما كَأَنَّهُ جعل كل جُزْء من هَذَا الْمَجْمُوع كذكر فِي حكم الْغسْل.

وَالْأَحْكَام الَّتِي تستنبط مِنْهَا قد مر ذكرهَا.

٦ - (بابُ مَنْ بَدَأَ بالحِلابِ أَوْ الطِيّبِ عِنْدَ الغُسْلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الَّذِي بَدَأَ بالحلاب إِلَى آخِره؛ اسْتشْكل الْقَوْم فِي مُطَابقَة هَذِه التَّرْجَمَة لحَدِيث الْبَاب، فافترقوا ثَلَاث فرق: الْفرْقَة الأولى: قد نسبوا البُخَارِيّ إِلَى الْوَهم والغلط، مِنْهُم الْإِسْمَاعِيلِيّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي (مستخرجه) رحم الله أَبَا عبد الله. يَعْنِي من ذَا الَّذِي يسلم من الْغَلَط، سبق إِلَى قلبه أَن الحلاب طيب، أَي: معنى للطيب عِنْد الِاغْتِسَال قبل الْغسْل، وَإِنَّمَا الحلاب إِنَاء يحلب فِيهِ وَيُسمى محلباً أَيْضا، وَهَذَا الحَدِيث لَهُ طَرِيق يتَأَمَّل المتأمل بَيَان ذَلِك حَيْثُ جَاءَ فِيهِ، كَانَ يغْتَسل من حلاب، رَوَاهُ هَكَذَا أَيْضا ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وروى أَبُو عوَانَة فِي (صَحِيحه) عَن يزِيد بن سِنَان عَن أبي عَاصِم بِلَفْظ: (كَانَ يغْتَسل من حلاب، فَيَأْخُذ غرفَة بكفيه فيجعلها على شقَّه الْأَيْمن ثمَّ الْأَيْسَر) كَذَا الحَدِيث بقوله: (يغْتَسل) وَقَوله: (غرفَة) أَيْضا مِمَّا يدل على أَن الحلاب إِنَاء المَاء وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان وَالْبَيْهَقِيّ: (ثمَّ صب على شقّ رَأسه الْأَيْمن) ، وَالطّيب لَا يغبر عَنهُ بالصب وروى الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق بنْدَار عَن أبي عَاصِم بِلَفْظ: (كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يغْتَسل من الْجَنَابَة دَعَا بِشَيْء دون الحلاب، فَأخذ بكفه، فَبَدَأَ بالشق الْأَيْمن ثمَّ الْأَيْسَر ثمَّ أَخذ بكفيه مَاء فأفرغ على رَأسه) فلولا قَوْله: (مَاء) لأمكن حمله على الطّيب قبل الْغسْل، وَرِوَايَة أبي عوَانَة أصرح من هَذِه وَمن هَؤُلَاءِ الْفرْقَة ابْن الْجَوْزِيّ حَيْثُ قَالَ: غلط جمَاعَة فِي تَفْسِير الحلاب، مِنْهُم البُخَارِيّ، فَإِنَّهُ ظن أَن الحلاب شَيْء من الطّيب، الْفرْقَة الثَّانِيَة: مِنْهُم الْأَزْهَرِي، قَالُوا هَذَا تَصْحِيف وَإِنَّمَا هُوَ: جلاب، بِضَم الْجِيم وَتَشْديد اللَّام، وَهُوَ مَاء الْورْد فَارسي مُعرب. الْفرْقَة الثَّالِثَة: مِنْهُم الْمُحب الطَّبَرِيّ، قَالُوا لم يرد البُخَارِيّ بقوله: أَو الطّيب، مَا لَهُ عرف طيب، وَإِنَّمَا أَرَادَ تطييب الْبدن وَإِزَالَة مَا فِيهِ من وسخ، ودرن ونجاسة إِن كَانَت، وَإِنَّمَا أَرَادَ بالحلاب الْإِنَاء الَّذِي يغْتَسل مِنْهُ، يبْدَأ بِهِ فَيُوضَع مَاء الْغسْل. قَالَ الْمُحب: وَكلمَة. أَو فِي قَوْله: أَو الطّيب بِمَعْنى الْوَاو، كَذَا اثْبتْ فِي بعض الرِّوَايَات أَقُول، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق، لَا يظنّ أحد أَن البُخَارِيّ أَرَادَ بالحلاب ضربا من الطّيب لِأَن قَوْله: أَو الطّيب بِرَفْع ذَلِك، وَلم يرد إلَاّ إِنَاء يوضع فِيهِ مَاء قَالَ الْخطابِيّ: الحلاب إِنَاء يسع قدر حلبة نَاقَة، وَالدَّلِيل على أَن الحلاب ظرف قَول الشَّاعِر:

(صَاح هَل رَأَيْت أَو سَمِعت يراع ... رد فِي الضَّرع مَا بَقِي فِي الحلاب)

وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: الحلاب والمحلب بِكَسْر الْمِيم، وعَاء يملؤه قدر حلب النَّاقة، وَمن الدَّلِيل على أَن المُرَاد من الحلاب غير الطّيب عطف الطّيب، عَلَيْهِ بِكَلِمَة. أَو، وَجعله قسيماً لَهُ، وَبِهَذَا ينْدَفع مَا قَالَه الْإِسْمَاعِيلِيّ: إِن البُخَارِيّ سبق إِلَى قلبه أَن الحلاب طيب، وَكَيف يسْبق إِلَى قلبه ذَلِك وَقد عطف، الطّيب، عَلَيْهِ والمعطوف غير الْمَعْطُوف عَلَيْهِ؟ وَكَذَلِكَ دَعْوَى الْأَزْهَرِي التَّصْحِيف غير صَحِيحَة، لِأَن الْمَعْرُوف من الرِّوَايَة الْمُهْملَة، وَالتَّخْفِيف، وَكَذَلِكَ أنكر عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَة الْهَرَوِيّ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الحلاب بكر الْمُهْملَة لَا يَصح غَيرهَا وَقد وهم من طنه الطّيب وَكَذَا من قَالَه بِضَم الْجِيم على أَنه قَوْله بتَشْديد الللام غير صَحِيح.

لِأَن فِي اللُّغَة الفارسية، مَاء الْورْد، هُوَ جلاب بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف اللَّام، أَصله: كلاب فَكل بِضَم الْكَاف الصماء وَسُكُون اللَّام، إسم للورد عِنْدهم، وآب، بِمد الْهمزَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة اسْم المَاء، وَالْقَاعِدَة عِنْدهم إِن الْمُضَاف إِلَيْهِ يتَقَدَّم على الْمُضَاف وَكَذَلِكَ الصّفة تقدم على الْمَوْصُوف، وَإِنَّمَا الْجلاب بتَشْديد اللَّام فاسم للمشروب. فَإِن قلت: إِذا ثَبت أَن الحلاب اسْم للإناء، يكون الْمَذْكُور فِي التَّرْجَمَة شَيْئَيْنِ: إحدهما: الْإِنَاء، وَالْآخر: الطّيب، وَلَيْسَ فِي الْبَاب ذكر الطّيب، فَلَا يُطَابق الحَدِيث الَّذِي فِيهِ إلَاّ بعض التَّرْجَمَة قلت: قد عقد الْبَاب لأحد الْأَمريْنِ حَيْثُ جَاءَ: أَو الفاصلة دون، الْوَاو الْوَاصِلَة فَوقِي بِذكر أَحدهمَا على أَنه كثيرا أما يذكر فِي التَّرْجَمَة شَيْئا وَلَا يذكر فِي الْبَاب حَدِيثا مُتَعَلقا بِهِ لأمر يَقْتَضِي ذَلِك.

فَإِن قلت: مَا الْمُنَاسبَة بَين ظرف المَاء وَالطّيب؟ قلت: من حَيْثُ إِن كلاًّ

<<  <  ج: ص:  >  >>