للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِنْهُم كَمَا تُسَلَّ الشَّعَرَةُ مِنَ العَجِينِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَقَالَ: كَيفَ بنسبي؟) فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يرد أَن يهجى نسبه مَعَ هجو الْكفَّار، وَعَبدَة هُوَ ابْن سُلَيْمَان، وَهِشَام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمَغَازِي عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة أَيْضا، وَفِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن سَلام. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة.

قَوْله: (كَيفَ بنسبي؟) أَي: كَيفَ بنسبي مجتمعاً بنسبهم؟ يَعْنِي: كَيفَ تهجو قُريْشًا مَعَ اجتماعي مَعَهم فِي النّسَب؟ وَفِي هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن مُعظم طرق الهجو النَّقْص من الْآبَاء. قَوْله: (لأسلَّنَّكَ مِنْهُم) أَي: لأخلصنَّ نسبك مِنْهُم، أَي: من نسبهم، بِحَيْثُ يخْتَص الهجو بهم دُونك، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي: لأتلطفن فِي تَخْلِيص نسبك من هجوهم بِحَيْثُ لَا يبْقى جُزْء من نسبك فِيمَا ناله الهجو. قَوْله: (كَمَا تسل الشعرة) ، ويروى: (الشّعْر) ، وَإِنَّمَا عين الشّعْر والعجين لِأَنَّهُ إِذا سل من الْعَجِين لَا يتَعَلَّق بِهِ شَيْء وَلَا يَنْقَطِع لنعومته، بِخِلَاف مَا إِذا سل من شَيْء صلب فَإِنَّهُ رُبمَا يَنْقَطِع وَيبقى مِنْهُ بَقِيَّة، وروى أَنه: لما اسْتَأْذن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي هجاء الْمُشْركين قَالَ لَهُ: إئتِ أَبَا بكر فَإِنَّهُ أعلم قُرَيْش بأنسابها حَتَّى يخلص لَك نسبي، فَأَتَاهُ حسان ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَهُ: قد خلص لي نسبك.

وعنْ أبِيهِ قَالَ ذَهَبْتُ أسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عائِشَةَ فقالَتْ لَا تَسُبُّهُ فإنَّهُ كانَ يُنافِحُ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أَي: وَعَن أبي هِشَام وَهُوَ عُرْوَة بن الزبير وَهَذَا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور إِلَى عُرْوَة وَلَيْسَ بمعلق وَقد أخرجه البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن عبد الله بِهَذَا الْإِسْنَاد وَقَالَ فِيهِ وَعَن هِشَام عَن أَبِيه فَذكر الزِّيَادَة وَكَذَلِكَ أخرجه فِي الْأَدَب الْمُفْرد قَوْله: (كَانَ ينافح) بِكَسْر الْفَاء بعْدهَا حاء مُهْملَة وَمَعْنَاهُ يدافع يُقَال نافحت عَن فلَان أَي خَاصَمت عَنهُ. وَيُقَال نفحت الدَّابَّة إِذا رمحت بحوافرها ونفحه بِالسَّيْفِ إِذا تنَاوله من بعيد وأصل النفح بِالْمُهْمَلَةِ الضَّرْب وَقيل للعطاء نفح كَانَ الْمُعْطى يضْرب السَّائِل بِهِ.

٧١ - (بابُ مَا جاءَ فِي أسْمَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من أَسمَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي بعض النّسخ: فِي أَسمَاء رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وقَوْلِ الله تَعَالَى {مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله والَّذِينَ معَهُ أشِدَّاءُ علَى الكُفَّارِ} (الْفَتْح: ٩٢) . وقَوْلِهِ {مِنْ بَعْدِيَ اسْمُهُ أحْمَدَ} (الصَّفّ: ٦) .

وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: مَا جَاءَ، وَقَوله: (وَقَوله: من بعدِي اسْمه أَحْمد) بِالْجَرِّ أَيْضا عطفا على: قَول الله، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِمَا ذكر من بعض الْآيَتَيْنِ إِلَى أَن أشهر أَسمَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحَمَّد وَأحمد، فمحمد من بَاب التفعيل للْمُبَالَغَة، وَأحمد من بَاب التَّفْضِيل، وَقيل: مَعْنَاهُمَا إِذا حمدني أحد فَأَنت أَحْمد، وَإِذا حمدت أحد فَأَنت مُحَمَّد، وَقَالَ عِيَاض: كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحْمد قبل أَن يكون مُحَمَّدًا، كَمَا وَقع فِي الْوُجُود، لِأَن تَسْمِيَته أَحْمد وَقعت فِي الْكتب السالفة، وتسميته مُحَمَّدًا وَقعت فِي الْقُرْآن الْعَظِيم، وَذَلِكَ أَنه حمد ربه قبل أَن يحمده النَّاس، وَكَذَلِكَ فِي الْآخِرَة يحمد ربه فيشفعه فيحمده النَّاس، وَقد خص: بِسُورَة الْحَمد، ولواء الْحَمد، وبالمقام الْمَحْمُود، وَشرع لَهُ الْحَمد بعد الْأكل وَبعد الشّرْب وَبعد الدُّعَاء وَبعد الْقدوم من السّفر، وَسميت أمته: الحمادين، فَجمعت لَهُ مَعَاني الْحَمد وأنواعه، وَقيل: اسْمه فِي السَّمَوَات أَحْمد وَفِي الْأَرْضين مَحْمُود، وَفِي الدُّنْيَا مُحَمَّد، وَقيل: الْأَنْبِيَاء كلهم حمادون لله تَعَالَى وَنَبِينَا أَحْمد، أَي: أَكثر حمداً لله مِنْهُم، وَقيل: الْأَنْبِيَاء كلهم محمودون وَنَبِينَا أَحْمد، أَي: أَكثر مناقباً، وَأجْمع للفضائل. قَوْله: (مُحَمَّد رَسُول الله) ، مُحَمَّد، إِمَّا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ مُحَمَّد، لتقدم قَوْله: {هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله} (التَّوْبَة: ٣٣، الْفَتْح: ٨٢، والصف: ٩) . وَإِمَّا مُبْتَدأ، وَرَسُول الله، عطف بَيَان {وَالَّذين مَعَه} أَي: أَصْحَابه عطف على الْمُبْتَدَأ. وَقَوله: {أَشد} خبر عَن الْجَمِيع، وَيجوز أَن يكون استئنافاً: مُحَمَّد مُبْتَدأ وَرَسُول الله خَبره، وَالَّذين مَعَه مُبْتَدأ، وأشداء خَبره، وَيجوز أَن يكون: وَالَّذين مَعَه فِي مَحل الْجَرّ عطفا على قَوْله: بِاللَّه، فِي قَوْله: {وَكفى بِاللَّه} . وَالْجُمْهُور على أَن المُرَاد من قَوْله: وَالَّذين مَعَه رسل الله، فَيحسن الْوَقْف على: مَعَه. قَوْله: (أشداء) ، جمع شَدِيد وَمَعْنَاهُ: يغلظون على الْكفَّار وعَلى من

<<  <  ج: ص:  >  >>