١٢ - (بابُ شُرْبِ اللَّبَنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان شرب اللَّبن. وضع هَذِه التَّرْجَمَة للرَّدّ على قَول من قَالَ: إِن الْكثير من شرب اللَّبن يسكر، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء. قَالَ الْمُهلب: شرب اللَّبن حَلَال بِكِتَاب الله تَعَالَى، وَلَيْسَ قَول من قَالَ: إِن الْكثير مِنْهُ يسكر، بِشَيْء. وَقَالَ ابْن بطال: إِنَّمَا كَانَ السكر مِنْهُ لصناعة تدخله.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {من بَين فرث وَدم لَبَنًا خَالِصا سائغاً للشاربين} (النَّحْل: ٦٦) .
وَقَول الله، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: شرب اللَّبن، وَوَقع فِي مُعظم النّسخ يخرج {من بَين فرث وَدم} هَذَا الْمِقْدَار، وَزَاد فِي رِوَايَة أبي ذَر لَبَنًا خَالِصا، وَفِي رِوَايَة غير موقع تَمام الْآيَة وَقَوله يخرج، لَيْسَ فِي الْقُرْآن، وَالَّذِي فِي الْقُرْآن {نسقيكم مِمَّا فِي بطونه من بَين فرث وَدم} وَلَفظ: يخرج، فِي آيَة أُخرى من السُّورَة {يخرج من بطونها شراب مُخْتَلف ألوانه} وَالظَّاهِر أَن زِيَادَة لفظ: يخرج، هُنَا لَيست من البُخَارِيّ، بل هِيَ مِمَّن دونه، وَبِدُون لفظ. يخرج، جرى الْإِسْمَاعِيلِيّ وَابْن بطال وَغَيرهمَا، وَهَذِه الْآيَة صَرِيحَة فِي إحلال شرب ألبان الْأَنْعَام بِجَمِيعِ أَنْوَاعهَا لوُقُوع الامتنان بِهِ، والفرث مَا يجمع فِي الكرش، وَقَالَ الْقَزاز: هُوَ مَا ألقِي من الكرش، يُقَال: فرثت الشَّيْء إِذا أخرجته من وعائه، وَبعد خُرُوجه يُقَال لَهُ السرجين وزبل. وَأخرج عَن ابْن عَبَّاس: أَن الدَّابَّة إِذا أكلت الْعلف واستقل فِي كرشها فَكَانَ أَسْفَله فرثاً وأوسطه لَبَنًا وَأَعلاهُ دَمًا، والكبد مسلطة عَلَيْهِ فتقسم الدَّم وتجريه فِي الْعُرُوق وتجري اللَّبن فِي الضَّرع وَيبقى الفرث فِي الكرش وَحده. قَوْله: (خَالِصا) أَي: من حمرَة الدَّم وقذارة الفرث. قَوْله: (سائغاً) أَي: لذيذاً هَنِيئًا لَا يغص بِهِ شَارِب.
٥٦٠٣ - حدّثناعَبْدانَ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا يُونُسُ عَن الزُّهْرِيِّ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أُُتِيَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَةَ أُُسْرِيَ بِهِ بِقَدَحٍ لَبَنٍ وقَدَحِ خَمْرٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أُتِي لَيْلَة الْإِسْرَاء بِلَبن وخمر اخْتَار اللَّبن، وَهُوَ من أعظم نعم الله على عبيده. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير ليلتئذٍ بَين اللَّبن وَالْخمر مَعَ أَن اللَّبن حَلَال وَالْخمر حرَام؟ قلت: لِأَن الْخمر كَانَت من الْجنَّة وخمر الْجنَّة لَيست بِحرَام. وَقيل: لِأَن الْخمر حينئذٍ لم تكن حرمت.
وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي وَقد تكَرر ذكره، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم.
والْحَدِيث قد مضى فِي تَفْسِير سُورَة {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} قَوْله (لَيْلَة) قَالَ الْكرْمَانِي بِالتَّنْوِينِ وَعَدَمه، وَقَالَ بَعضهم: حكى فِيهِ تَنْوِين لَيْلَة، وَالَّذِي أعرفهُ فِي الرِّوَايَة الْإِضَافَة. قلت: إِذا جَازَ الْوَجْهَانِ فإسناد هَذَا الْقَائِل مَعْرفَته إِلَى الْإِضَافَة تعمق فِي الْمُفَاخَرَة الْبَارِدَة.
٥٦٠٤ - حدّثناالحُمَيْدِيُّ سَمِعَ سُفْيانَ أخبرنَا سالِمٌ أبُو النَّضْرِ أنَّهُ سَمِعَ عُمَيْراً مَوْلَى أمِّ الفَضْلِ يُحَدِّثُ عنْ أمِّ الفَضْلِ قالَتْ: شَكَّ النَّاسُ فِي صِيامِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ عَرَفَةَ، فأرْسَلْتُ إلَيْهِ بإناءٍ فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبَ، فَكانَ سُفْيانُ رُبما قالَ: شَكَّ النَّاسُ فِي صِيامِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ عَرَفَةَ، فأرْسَلَتْ إليْهِ أُُمُّ الفَضْلِ، فإِذا وُقِّفَ عَلَيْهِ، قَالَ: هُوَ عنْ أُُمِّ الفَضْلِ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فِيهِ لبن فَشرب) والْحميدِي عبد الله بن الزبير نِسْبَة إِلَى أحد أجداده حميد، وَقد تكَرر ذكره، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأَبُو النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة، وَعُمَيْر مصغر عمر وَمولى أم الْفضل زَوْجَة الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب. وَقد مر الحَدِيث فِي الْحَج وَالصَّوْم.
قَوْله: (فَإِذا وقف عَلَيْهِ) بِضَم الْوَاو وَكسر الْقَاف الْمُشَدّدَة وبالفاء، مَعْنَاهُ: أَن سُفْيَان رُبمَا كَانَ أرسل الحَدِيث فَلم يقل فِي الْإِسْنَاد: عَن أم الْفضل، فَإِذا سُئِلَ عَنهُ، هَل هُوَ مَوْصُول أَو مُرْسل؟ قَالَ: هُوَ عَن أم