الآخر) ظَاهره أَن هَذَا قيد يخرج الكافرات، كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْبَعْض، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ وصف لتأكيد التَّحْرِيم لِأَنَّهُ تَعْرِيض أَنَّهَا إِذا سَافَرت بِغَيْر محرم فَإِنَّهَا تخَالف شَرط الْإِيمَان بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر، لِأَن التَّعَرُّض إِلَى وصفهَا بذلك إِشَارَة إِلَى إِلْزَام الْوُقُوف عِنْدَمَا نهيت عَنهُ، وَأَن الْإِيمَان بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يقْضِي لَهَا بذلك. قَوْله: (لَيْسَ مَعهَا حُرْمَة) جملَة حَالية، أَي: لَيْسَ مَعهَا رجل ذُو حُرْمَة مِنْهَا، كَمَا فِي رِوَايَة مُسلم، كَذَلِك، وَقد مر عَن قريب. وَاسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث على: أَن الْمَرْأَة لَيْسَ لَهَا أَن تُسَافِر مسيرَة يَوْم وَلَيْلَة إلاّ بِذِي محرم، وَلها أَن تُسَافِر فِي أقل من ذَلِك، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً.
تابَعَهُ يَحْيَى بنُ أبي كَثِيرٍ وسُهَيْلٌ ومالِكٌ عنِ المَقْبُرِيِّ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ
أَي: تَابع ابْن أبي ذِئْب عَن أبي هُرَيْرَة يحيى وَسُهيْل وَمَالك، فَهَذِهِ الْمُتَابَعَة فِي متن الحَدِيث لَا فِي الْإِسْنَاد، لأَنهم لم يَقُولُوا عَن أَبِيه. وَقَالَ الْمُزنِيّ: يَعْنِي تَابعه فِي قَوْله: (مسيرَة يَوْم وَلَيْلَة) قلت: أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن مُتَابعَة هَؤُلَاءِ ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد فِي لفظ الْمَتْن لَا فِي ذكر سعيد عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَكِن لم يخْتَلف على يحيى فِي رِوَايَته عَن أبي سعيد عَن أَبِيه، لِأَن الطَّحَاوِيّ روى هَذَا الحَدِيث من طَرِيق يحيى، وَفِيه: عَن أَبِيه، حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا أَبُو أُميَّة، قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم، قَالَ: حَدثنَا شَيبَان بن عبد الرَّحْمَن عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سعيد عَن أَبِيه أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يحل لامْرَأَة أَن تُسَافِر يَوْمًا فَمَا فَوْقه ألَاّ وَمَعَهَا ذُو حُرْمَة) . وَأخرجه أَحْمد فِي مُسْنده: حَدثنَا حسن حَدثنَا شَيبَان عَن يحيى عَن أبي سعيد أَن أَبَاهُ أخبرهُ أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يحل لامْرَأَة أَن تُسَافِر يَوْمًا فَمَا فَوْقه إلَاّ وَمَعَهَا ذُو حُرْمَة) .
وَاخْتلف فِي ذَلِك على سُهَيْل وَمَالك. أما الِاخْتِلَاف على سُهَيْل فَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا يُوسُف بن مُوسَى عَن جرير عَن سُهَيْل عَن سعيد بن أبي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة. . الحَدِيث، وَفِيه: أَن تُسَافِر بريدا. وَأخرجه الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا أَبُو بكرَة، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عمر الضَّرِير عَن حَمَّاد بن سَلمَة، قَالَ: حَدثنَا سُهَيْل بن أبي صَالح عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تُسَافِر امْرَأَة بريدا إلَاّ مَعَ زوج أَو ذِي محرم) . وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا نَحوه، فَهَذِهِ لَيْسَ فِيهَا ذكر: عَن أَبِيه، وروى مُسلم: حَدثنَا أَبُو كَامِل الجحدري، قَالَ حَدثنَا بشر، يَعْنِي ابْن الْمفضل، قَالَ: حَدثنَا سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يحل لامْرَأَة أَن تُسَافِر ثَلَاثًا إلاّ وَمَعَهَا ذُو محرم عَلَيْهَا) ، فَهَذَا فِي رِوَايَته أبدل سعيدا بِأبي صَالح، وَخَالف فِي اللَّفْظ أَيْضا فَقَالَ: (أَن تُسَافِر ثَلَاثًا) ، وَيحْتَمل أَن يكون الحديثان مَعًا عِنْد سُهَيْل، وَلذَلِك صحّح ابْن حبَان الطَّرِيقَيْنِ عَنهُ، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رِوَايَة سُهَيْل مضطربة فِي الْإِسْنَاد والمتن.
وَأما الِاخْتِلَاف على مَالك فقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَقد رَأَيْت الِاخْتِلَاف الظَّاهِر بَين الْحفاظ فِي ذكر أَبِيه، فَلَعَلَّهُ سمع من أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة، ثمَّ سمع عَن أبي هُرَيْرَة نَفسه، فَرَوَاهُ تَارَة كَذَا وَتارَة كَذَا، وسماعه عَن أبي هُرَيْرَة صَحِيح.
٥ - (بابٌ يَقْصُرُ إذَا خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن الْإِنْسَان يقصر صلَاته الرّبَاعِيّة إِذا خرج من مَوْضِعه قَاصِدا سفرا تقصر فِي مثله الصَّلَاة.
وَخَرَجَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَصَرَ وَهْوَ يَرَى البُيُوتَ فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ هاذِهِ الكُوفَةُ قَالَ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَالْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع:
الأول: فِي مَعْنَاهُ فَقَوله: (وَخرج عَليّ) أَي: من الْكُوفَة. لِأَن قَوْله: (هَذِه الْكُوفَة) يدل عَلَيْهِ. قَوْله: (فقصر) أَي: الصَّلَاة الرّبَاعِيّة. قَوْله: (وَهُوَ يرى الْبيُوت) جملَة حَالية أَي: وَالْحَال أَنه يرى بيُوت الْكُوفَة. قَوْله: (فَلَمَّا رَجَعَ) أَي: من سَفَره هَذَا. قَوْله: (هَذِه الْكُوفَة) يَعْنِي: هَل نتم الصَّلَاة؟ قَالَ: لَا، أَي: لَا نتم حَتَّى ندْخلهَا.
النَّوْع الثَّانِي: إِن هَذَا التَّعْلِيق أخرجه الْحَاكِم مَوْصُولا من رِوَايَة الثَّوْريّ عَن وقاء بن إِيَاس (عَن عَليّ بن ربيعَة، قَالَ: خرجنَا مَعَ على، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فقصرنا الصَّلَاة وَنحن نرى الْبيُوت، ثمَّ رَجعْنَا فقصرنا الصَّلَاة وَنحن نرى الْبيُوت) .