للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أُتِي) ، بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول، وَعبد الرَّحْمَن بِالرَّفْع لِأَنَّهُ نَائِب عَن الْفَاعِل. قَوْله: (قتل) على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا، وَمصْعَب بن عُمَيْر مَرْفُوع كَذَلِك، وَهُوَ بِضَم الْمِيم، وَسُكُون الصَّاد وَفتح الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَعُمَيْر: بِضَم الْعين مصغر عَمْرو: الْقرشِي الْعَبدَرِي، كَانَ من أجلة الصَّحَابَة، بَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة يُقْرِئهُمْ الْقُرْآن ويفقههم فِي الدّين، وَهُوَ أول من جمع الْجُمُعَة بِالْمَدِينَةِ قبل الْهِجْرَة، وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة من أنعم النَّاس عَيْشًا وألينهم لباسا وَأَحْسَنهمْ جمالاً. فَلَمَّا أسلم زهد فِي الدُّنْيَا وتقشف وتحشف، وَفِيه نزل: {رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ} (الْأَحْزَاب: ٣٢) . قتل يَوْم أحد شَهِيدا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وَكَانَ خيرا مني) ، يَعْنِي: قَالَ عبد الرَّحْمَن: كَانَ مُصعب خيرا مني، إِنَّمَا قَالَ هَذَا القَوْل تواضعا وهضما لنَفسِهِ، كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تفضلُونِي على يُونُس ابْن مَتى) . وإلَاّ فعبد الرَّحْمَن من الْعشْرَة المبشرة. قَوْله: (إِلَّا بردة) وَاحِدَة البرود، وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: (إلَاّ بردَهُ) ، بالضمير الْعَائِد عَلَيْهِ، والبردة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة: النمرة كالمئزر، وَرُبمَا اتزر بِهِ، وَرُبمَا ارتدى، وَرُبمَا كَانَ لأَحَدهم بردتان يترز بِأَحَدِهِمَا ويرتدي بِالْأُخْرَى، وَرُبمَا كَانَت كَبِيرَة. وَقيل: النمرة: كل شملة مخططة من ميازر الْعَرَب، وَقَالَ القتبي: هِيَ بردة تلبسها الْإِمَاء. وَقَالَ ثَعْلَب: هِيَ ثوب مخططة تلبسها الْعَجُوز. وَقيل: كسَاء ملون، وَقَالَ الْفراء: هِيَ دراعة تلبس أَو تجْعَل على الرَّأْس، فِيهَا لونان سَواد وَبَيَاض. قَوْله: (وَقتل حَمْزَة) ، وَهُوَ حَمْزَة بن عبد الْمطلب عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَخُوهُ من الرضَاعَة، يُقَال لَهُ: أَسد الله، وَحين أسلم اعتز الْإِسْلَام بِإِسْلَامِهِ، اسْتشْهد يَوْم أحد، وَهُوَ سيد الشُّهَدَاء، وفضائله كَثِيرَة جدا. قَوْله: (أَو رجل آخر) ، لم يعرف هَذَا الرجل وَلم يَقع هَذَا فِي أَكثر الرِّوَايَات وَلم يذكر إلَاّ حَمْزَة وَمصْعَب، وَكَذَا أخرجه أَبُو نعيم فِي (مستخرجه) من طَرِيق مَنْصُور بن أبي مُزَاحم عَن إِبْرَاهِيم بن سعد. قَوْله: (لقد خشيت) إِلَى آخِره، من كَلَام عبد الرَّحْمَن، وَكَانَ خَوفه وبكاؤه، وَإِن كَانَ أحد الْعشْرَة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ، مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة من الإشفاق وَالْخَوْف من التَّأَخُّر عَن اللحاق بالدرجات العلى وَطول الْحساب.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: مَا ترْجم البُخَارِيّ من أَن الْكَفَن من جَمِيع المَال، وَهُوَ قَول جُمْهُور الْعلمَاء. وَفِيه: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفن حَمْزَة ومصعبا فِي برديهما، وَهُوَ يدل على جَوَاز التَّكْفِين فِي ثوب وَاحِد عِنْد عدم غَيره، وَالْأَصْل ستر الْعَوْرَة، وَإِنَّمَا اسْتحبَّ لَهما صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّكْفِين فِي تِلْكَ الثِّيَاب الَّتِي لَيست بسابغة لِأَنَّهُمَا فِيهَا قتلا وَفِيهِمَا يبعثان إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِيه: أَن الْعَالم يذكر سيرة الصَّالِحين وتقللهم من الدُّنْيَا لتقل رغبته فِيهَا، ويبكي خوفًا من تَأَخّر لحاقه بالأخيار، ويشفق من ذَلِك. وَفِيه: أَنه يَنْبَغِي للمرء أَن يتَذَكَّر نعم الله عِنْده ويعترف بالتقصير عَن أَدَاء شكرها، ويتخوف أَن يقاص بهَا فِي الْآخِرَة وَيذْهب سَعْيه فِيهَا.

٦٢ - (بابٌ إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَاّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ، إِذا لم يُوجب للميث إلَاّ ثوب وَاحِد، فَالْحكم فِيهِ أَن يقْتَصر عَلَيْهِ، وَلَا ينْتَظر شَيْء آخر.

٥٧٢١ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا شُعْبَةُ عنْ سَعْدِ بنِ إبْرَاهِيمَ عنْ أبِيهِ إبْراهِيمَ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ عَوْفٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أُتِيَ بِطَعَامٍ وكانَ صَائِما فَقَالَ قُتِلَ مُصْعَبُ ابنُ عُمَيْرٍ وَهْوَ خَيْرٌ مِنِّي كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ إنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلَاهُ وَإنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ وَأُرَاهُ قَالَ وَقُتِلَ حَمْزَةُ وَهْوَ خَيرٌ مِنِّي ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ أوْ قَالَ أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا وَقَدْ خَشِينَا أنْ تَكُون حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جعل يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ..

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كفن فِي بردة) ، وَهُوَ ثوب وَاحِد، وَقد كفن حَمْزَة فِي بردة وَمصْعَب فِي أُخْرَى وَلم يكن غَيرهَا، وَهُوَ مُطَابق للتَّرْجَمَة وَفِي قَوْله: (إِذا لم يُوجد إلَاّ ثوب وَاحِد) ، والْحَدِيث بِعَيْنِه مضى فِي الْبَاب السَّابِق، غير أَنه روى ذَاك: عَن أَحْمد الْمَكِّيّ عَن إِبْرَاهِيم بن سعيد، وَهَذَا: عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم. وَفِيه زِيَادَة، وَهِي قَوْله: (وَكَانَ صَائِما) ، أَي: كَانَ عبد الرَّحْمَن يَوْمئِذٍ صَائِما. وَقَوله أَيْضا: (إِن غطى رَأسه بَدَت رِجْلَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>