وَقَالُوا فِيهَا: مسح رَأسه، وَلم يذكرُوا عددا، كَمَا ذكرُوا فِي غَيره، وَوصف عبد الله بن زيد وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: مسح براسه مرّة وَاحِدَة، مُتَّفق عَلَيْهِ. وَحَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِيه: (مسح رَأسه مرّة وَاحِدَة) . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح، وَكَذَا وصف عبد الله بن أبي أوفى وَابْن عَبَّاس وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع وَالربيع، كلهم قَالُوا: وَمسح بِرَأْسِهِ مرّة وَاحِدَة، وَلم يَصح فِي أَحَادِيثهم شَيْء صَرِيح فِي تكْرَار الْمسْح. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: قد رُوِيَ من أوجه غَرِيبَة عَن عُثْمَان ذكرُ التّكْرَار فِي مسح الرَّأْس، إلَاّ أَنَّهَا مَعَ خلاف الْحفاظ الثِّقَات لَيست بِحجَّة عِنْد أهل الْمعرفَة، وَإِن كَانَ بعض أَصْحَابنَا يحْتَج بهَا. فان قلت: قد روى الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) عَن مُحَمَّد بن مَحْمُود الوَاسِطِيّ عَن شُعَيْب بن أَيُّوب عَن أبي يحيى الجماني عَن أبي حنيفَة عَن خَالِد بن عَلْقَمَة عَن عبد خير عَن عَلَيْهِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَنه تَوَضَّأ) الحَدِيث، وَفِيه: (وَمسح بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا) ، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو حنيفَة عَن عَلْقَمَة بن خَالِد. وَخَالفهُ جمَاعَة من الْحفاظ الثِّقَات عَن خَالِد بن عَلْقَمَة، فَقَالُوا فِيهِ: وَمسح رَأسه مرّة وَاحِدَة وَمَعَ خلَافَة إيَّاهُم قَالَ: إِن السّنة فِي الْوضُوء مسح الرَّأْس مرّة وَاحِدَة. قلت: الزِّيَادَة عَن الثِّقَة مَقْبُولَة، وَلَا سِيمَا من مثل أبي حنيفَة، رَضِي الله عَنهُ. وَأما قَوْله: فقد خَالف فِي حكم الْمسْح، غير صَحِيح، لِأَن تكْرَار الْمسْح مسنون عَن أبي حنيفَة أَيْضا، صرح بذلك صَاحب (الْهِدَايَة) : وَلَكِن بِمَاء وَاحِد. وَقَول الْكرْمَانِي وَالْقِيَاس على سَائِر الْأَعْضَاء، ردَّ بِأَن الْمسْح مَبْنِيّ على التَّخْفِيف، بِخِلَاف الْغسْل، وَلَو شرع التّكْرَار لصار صُورَة المغسول. وَقد اتّفق على كَرَاهَة غسل الرَّأْس بدل الْمسْح وَإِن كَانَ مجزياً. وَأجِيب: بِأَن الخفة تَقْتَضِي عدم الِاسْتِيعَاب، وَهُوَ مَشْرُوع بالِاتِّفَاقِ، فَلْيَكُن الْعدَد كَذَلِك ورد بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُور الَّذِي رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَصَححهُ وَغَيره أَيْضا من طَرِيق عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فِي صفة الْوضُوء حَيْثُ قَالَ: قَالَ النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، بعد أَن فرغ: (من زَاد على هَذَا فقد أَسَاءَ وظلم) . فَإِن فِي رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور التَّصْرِيح بِأَنَّهُ مسح رَأسه مرّة وَاحِدَة، فَدلَّ على أَن الزِّيَادَة فِي مسح الرَّأْس على الْمرة غير مُسْتَحبَّة، وَيحمل مَا رُوِيَ من الْأَحَادِيث فِي تثليث الْمسْح، إِن صحت على إِرَادَة الِاسْتِيعَاب بِالْمَسْحِ، لَا أَنَّهَا مسحات مُسْتَقلَّة لجَمِيع الرَّأْس، جمعا بَين هَذِه الْأَدِلَّة الْقَائِل بِهَذَا الرَّد هُوَ بَعضهم مِمَّن تصدى لشرح البُخَارِيّ، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ الثَّلَاث نَص فِيهِ، والاستيعاب بِالْمَسْحِ لَا يتَوَقَّف على الْعدَد، وَالصَّوَاب أَن يُقَال: الحَدِيث الَّذِي فِيهِ الْمسْح ثَلَاثًا لَا يُقَاوم الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا الْمسْح مرّة وَاحِدَة، وَلذَلِك قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْعَمَل عَلَيْهِ عِنْد أَكثر أهل الْعلم من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن بعدهمْ. وَقَالَ ابو عمر ابْن عبد الْبر: كلهم يَقُول مسح الرَّأْس مسحة وَاحِدَة. فَإِن قلت: هَذَا الَّذِي ذكرته يرد على أبي حنيفه. قلت: لَا يرد أصلا، فَإِنَّهُ رأى التَّثْلِيث سنة لكَونه رَوَاهُ، وَلكنه شَرط أَن يكون بِمَاء وَاحِد، وَهَذَا خلاف مَا قَالَه الشَّافِعِي، رَحمَه الله، وَمَعَ هَذَا الْمَذْهَب: الْإِفْرَاد لَا التثليثْ، لما ذكرنَا.
٤٣ - (بابُ وُضُوءِ الرَّجُلِ مَعَ إمْرَأَتِهِ وَفَضْلِ وَضُوءِ المَرْأَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم وضوء الرجل مَعَ امْرَأَته فِي إِنَاء وَاحِد، وَالْوُضُوء فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِضَم الْوَاو فِي الأول وَفِي الثَّانِي بِالْفَتْح، لِأَن المُرَاد من الأول وَالْفِعْل، وَمن الثَّانِي المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ. قَوْله: (وَفضل) بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: (وضوء الرجل) وَفِي بعض النّسخ: (بَاب وضوء الرجل مَعَ الْمَرْأَة) ، وَهُوَ أَعم من أَن تكون: امْرَأَته، أَو غَيرهَا.
وَتَوَضَّأَ عُمَرُ بِالحَمِيمِ مِنْ بَيْتِ نَصْرَانِيَّةٍ
هَذَا الْأَثر الْمُعَلق لَيْسَ لَهُ مُطَابقَة للتَّرْجَمَة أصلا، وَهَذَا ظَاهر كَمَا ترى. وَقَالَ بَعضهم: ومناسبته للتَّرْجَمَة من جِهَة الْغَالِب أَن أهل الرجل تبع لَهُ فِيمَا يفعل، فَأَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى الرَّد على من منع الْمَرْأَة أَن تتطهر بِفضل الرجل، لِأَن الظَّاهِر أَن امْرَأَة عمر، رَضِي الله عَنهُ، كَانَت تَغْتَسِل بفضله أَو مَعَه، فَنَاسَبَ قَوْله: وضوء الرجل مَعَ امْرَأَته من إِنَاء وَاحِد. قلت: من لَهُ ذوق أَو إِدْرَاك يَقُول هَذَا الْكَلَام الْبعيد، فمراده من قَوْله: إِن اهل الرجل تبع لَهُ فِيمَا يفعل، فِي كل الْأَشْيَاء أَو فِي بضعهما؟ فَإِن كَانَ الأول فَلَا نسلم ذَلِك، وَإِن كَانَ الثَّانِي فَيجب التَّعْيِين. وَقَوله: لِأَن الظَّاهِر. إِلَى آخِره، أَي: ظَاهر دلّ على هَذَا. وَهل هَذَا إلَاّ حدس وتخمين؟ وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا وَجه مناسبته للتَّرْجَمَة؟ قلت: غَرَض البُخَارِيّ فِي هَذَا الْكتاب لَيْسَ منحصراً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute