٣ - (بابٌ المَدِينةُ طابَةُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْمَدِينَة: طابة، أَي: من أسمائها: طابة، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على أَنَّهَا لَا تسمى بِغَيْر ذَلِك، وأصل طابة طيبَة لِأَنَّهَا من الطّيب، فقلبت الْيَاء ألفا لتحركها، وانفتاح مَا قبلهَا، فوزنها: فالة، لَا: فاعة.
٢٧٨١ - حدَّثنا خالِدُ بنُ مَخْلَدٍ قَالَ حدَّثنا سُلَيْمَانُ قَالَ حدَّثني عَمْرُو بنُ يَحْيَى عنْ عَبَّاسِ بنِ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ عنْ أبِي حُمَيْدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ أقْبَلْنَا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ تَبُوكَ حَتَّى أشْرَفْنَا عَلَى المَدِينَةِ فَقَالَ هاذِهِ طابَةُ..
التَّرْجَمَة متن الحَدِيث، وخَالِد بن مخلد البَجلِيّ الْكُوفِي، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال أَبُو أَيُّوب التَّيْمِيّ الْقرشِي، وَعَمْرو بن يحيى بن عمَارَة الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، وَأَبُو حميد، بِضَم الْحَاء: عبد الرَّحْمَن السَّاعِدِيّ. وَهَذَا الحَدِيث طرف من حَدِيث طَوِيل وَقد مضى فِي أَوَاخِر الزَّكَاة فِي: بَاب خرص التَّمْر، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مستقصىً.
قَوْله: (طابة) ، وَفِي بعض طرقه: (طيبَة) ، وروى مُسلم من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة مَرْفُوعا: (إِن الله سمى الْمَدِينَة طابة) . وروى أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي (مُسْنده) عَن شُعْبَة عَن سماك بِلَفْظ: (كَانُوا يسمون الْمَدِينَة يثرب، فسماها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: طابة) . وَرَوَاهُ أَبُو عوَانَة، وَسميت طابة لطيبها لساكنها. وَقيل: من طيب الْعَيْش بهَا، وَقيل: من أَقَامَ بهَا يجد من تربَتهَا وحيطانها رَائِحَة طيبَة لَا تكَاد تُوجد فِي غَيرهَا. قلت: وَأي طيب يجده الْمُقِيم بهَا أطيب من مُشَاهدَة قَبره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَهَل طيب أطيب من تربته؟ وَكَيف لَا وَبَين قَبره ومنبره رَوْضَة من رياض الْجنَّة؟ فَاعْتبر بِهَذَا طيب التربة الَّتِي ضمت جسده الْكَرِيم، وللمدينة أسامي كَثِيرَة، وَقد ذكرنَا بَعْضهَا عَن قريب. وروى الزبير فِي (أَخْبَار الْمَدِينَة) من طَرِيق عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي، قَالَ: بَلغنِي أَن لَهَا أَرْبَعِينَ إسما، وَرُوِيَ من طَرِيق أبي سُهَيْل بن مَالك عَن كَعْب الْأَحْبَار، قَالَ: نجد فِي كتاب الله تَعَالَى، الَّذِي أنزل على مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن الله قَالَ للمدينة: يَا طيبَة، يَا طابة، يَا مسكينة، لَا تقبلي الْكُنُوز أرفع أجاجيرك على الْقرى.
٤ - (بابُ لَابَتَيْ المَدِينَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذكر لابتي الْمَدِينَة فِي الحَدِيث، وَقد مر تَفْسِير الْآيَة.
٣٧٨١ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيَّبِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّهُ كانَ يَقُولُ لَوْ رَأيْتُ الظِّبَاءَ بِالمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا زَعَرْتُهَا قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ.
(انْظُر الحَدِيث ٩٦٨١) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قد مر غير مرّة، والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحَج أَيْضا عَن يحيى ابْن يحيى، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن قُتَيْبَة وَعَن إِسْحَاق بن مُوسَى، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْحَج عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (الظباء) جمع ظَبْي. قَوْله: (ترتع) ، أَي: ترعى، وَقيل: تنبسط. قَوْله: (مَا ذعرتها) أَي: مَا أخفتها وَمَا نفَّرتها، وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة، يُقَال: ذعرته أذعره ذعرا: أفزعته، وَالِاسْم: الذعر، بِالضَّمِّ وَقد ذعر فَهُوَ مذعور، وكني بذلك عَن عدم صيدها لِأَنَّهُ مِمَّن يَقُول بِأَن للمدينة حرما وَمِمَّنْ يروي فِي ذَلِك بقوله: {قَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا بَين لابتيها) أَي: لابتي الْمَدِينَة، وَهِي: بَين لابتين شرقية وغربية، وَلها لابتان أَيْضا من الْجَانِبَيْنِ الآخرين إلَاّ أَنَّهُمَا يرجعان إِلَى الْأَوليين لاتصالهما بهما، وَالْحَاصِل أَن جَمِيع دورها كلهَا دَاخل ذَلِك، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: (أللهم إِنِّي أحرم مَا بَين جبليها) ، وَوَقع عِنْد أَحْمد: (مَا بَين حرتيها) ، وَفِي رِوَايَة: مَا بَين مأزميها) ، وَعَن هَذَا قَالَ بعض الْحَنَفِيَّة: هَذَا حَدِيث مُضْطَرب، والمأزمان تَثْنِيَة مأزم، بِهَمْزَة بعد مِيم وبكسر الزَّاي، هُوَ الْجَبَل، وَقيل: الْمضيق بَين الجبلين وَنَحْوه، وَالْأول هُوَ الصَّوَاب هُنَا، وَمَعْنَاهُ: مَا بَين جبليها.