للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَسُوق خليجاً لَهُ فيمر بِهِ فِي أَرض مُحَمَّد بن مسلمة، فَامْتنعَ، فَكَلمهُ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي ذَلِك فَأبى، فَقَالَ: وَالله ليمرن بِهِ وَلَو على بَطْنك، فَحمل عمر الْأَمر على ظَاهره وعداه إِلَى كل مَا يحْتَاج الْجَار إِلَى الِانْتِفَاع بِهِ من دَار جَاره وأرضه. وَقَالَ بَعضهم: وَقد قوى الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم القَوْل بِالْوُجُوب بِأَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قضى بِهِ وَلم يُخَالِفهُ أحد من أهل عصره، وَكَانَ اتِّفَاقًا مِنْهُم على ذَلِك. انْتهى. قلت: هَذَا مُجَرّد دَعْوَى يحْتَاج إِلَى إِقَامَة دَلِيل، وَعَن الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد قَولَانِ: أشهرهما: اشْتِرَاط إِذن الْمَالِك، فَإِن امْتنع لم يجْبر، وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا، وحملوا الْأَمر فِيمَا جَاءَ من الحَدِيث على النّدب وَالنَّهْي على التَّنْزِيه جمعا بَينه وَبَين الْأَحَادِيث الدَّالَّة على تَحْرِيم مَال الْمُسلم إلَاّ بِرِضَاهُ، وَهُوَ كَقَوْلِه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا زَالَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، يوصيني بالجار حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيورثه، وَكَقَوْلِه: مَا آمن من بَات شبعان وجاره طاو، وَقيل: إِن الْهَاء فِي: جِدَاره، يرجع إِلَى الغارز، لِأَن الْجِدَار إِذا كَانَ بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ لأَحَدهمَا فَأَرَادَ صَاحبه أَن يضع عَلَيْهِ الْجُذُوع وَيَبْنِي، رُبمَا مَنعه جَاره لِئَلَّا يشرف عَلَيْهِ، فَأخْبر الشَّارِع أَنه لَا يمنعهُ ذَلِك، وَقَالَ ابْن التِّين: عورض هَذَا بِأَنَّهُ إِحْدَاث قَول ثَالِث فِي معنى الْخَبَر، وَذَلِكَ مَمْنُوع عِنْد أَكثر الْأُصُولِيِّينَ، وَلَا يسلم لَهُ، وَالله أعلم.

١٢ - (بابُ صَبِّ الْخَمْرِ فِي الطَّرِيقِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صب الْخمر فِي طَرِيق النَّاس، هَل يَنْبَغِي ذَلِك أم لَا؟ فَقيل: لَا يمْنَع من ذَلِك، لِأَنَّهُ للإعلان برفضها، وليشتهر تَركهَا، وَذَلِكَ أَنه أرجح فِي الْمصلحَة من التأذي بصبها فِي الطَّرِيق، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُهلب، وَقيل: يمْنَع من ذَلِك، فَقَالَ ابْن التِّين: هَذَا الَّذِي فِي الحَدِيث كَانَ فِي أول الْإِسْلَام قبل أَن ترَتّب الْأَشْيَاء وتنظف، فَأَما الْآن فَلَا يَنْبَغِي صب النَّجَاسَات فِي الطّرق خوفًا أَن يُؤْذِي الْمُسلمين، وَقد منع سَحْنُون أَن يصب المَاء من بِئْر وَقعت فِيهِ فَأْرَة فِي الطَّرِيق. قَوْله: (فِي الطَّرِيق) ، ويروى: فِي الطّرق.

٤٦٤٢ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَبُو يَحْيى قَالَ أخبرنَا عَفَّانُ قَالَ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ قَالَ حدَّثنا ثابِتٌ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كنتُ ساقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أبِي طَلْحَةَ وكانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ فأمَرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنادِياً يُنادي ألَا إنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ قَالَ فقالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ اخْرُجْ فأهْرِقْها فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُها فجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وهْيَ فِي بُطُونِهِمْ فأنْزَلَ الله {لَيْسَ علَى الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيما طَعِمُوا} (الْمَائِدَة: ٣٩) ..

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَهَرَقْتهَا فجرت فِي سِكَك الْمَدِينَة) ، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم أَبُو يحيى هُوَ الْمَعْرُوف بصاعقة، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعَفَّان هُوَ ابْن مُسلم الصفار، وروى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الْجَنَائِز بِدُونِ الْوَاسِطَة.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد، وَفِي الْأَشْرِبَة عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَشْرِبَة عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي عَنهُ بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَنهُ نَحوه.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كنت ساقي الْقَوْم فِي منزل أبي طَلْحَة) ، وَأَبُو طَلْحَة زوج أم أنس، واسْمه: زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ، شهد الْعقبَة وبدراً وأحداً وَسَائِر الْمشَاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ أحد النُّقَبَاء، وعاش بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ سنة، وَمَات بِالشَّام، قَالَه أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي. وَعَن أنس: أَنه غزا الْبَحْر فَمَاتَ فِيهِ، فَمَا وجدوا جَزِيرَة فدفنوه فِيهَا إِلَّا بعد سَبْعَة أَيَّام، وَلم يتَغَيَّر، وَفِي الْقَوْم كَانَ أَبُو عُبَيْدَة وَأبي بن كَعْب، على مَا يَأْتِي فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي الْأَشْرِبَة، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: إِنِّي لقائم أسقيها أَبَا طَلْحَة، وَأَبا أَيُّوب ورجالاً من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة لَهُ: إِنِّي لقائم على الْحَيّ على عمومتي أسقيهم، وَفِي رِوَايَة لَهُ: كنت أَسْقِي أَبَا طَلْحَة وَأَبا دُجَانَة ومعاذ بن جبل فِي رَهْط من الْأَنْصَار، وَفِي رِوَايَة لَهُ: إِنِّي لأسقي أَبَا طَلْحَة وَأَبا دُجَانَة وَسُهيْل بن بَيْضَاء من مزادة. قَوْله: (وَكَانَ خمرهم يَوْمئِذٍ الفضيخ) ، أصل الْخمر من المخامرة، وَهِي المخالطة،

<<  <  ج: ص:  >  >>