للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨ - (بابٌ النُّسُكُ شَاةٌ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن النّسك الْمَذْكُور فِي الْآيَة هُوَ شَاة، وَوَقع فِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ من طَرِيق الْمُغيرَة عَن مُجَاهِد فِي آخر هَذَا الحَدِيث: فَأنْزل الله تَعَالَى: {ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك} (الْبَقَرَة: ٦٩١) . والنسك شَاة. وَقَالَ أَبُو عمر: كل من ذكر النّسك فِي هَذَا الحَدِيث مُفَسرًا فَإِنَّمَا ذكرُوا شَاة، وَهُوَ أَمر لَا خلاف فِيهِ بَين الْعلمَاء. قَالَ بَعضهم: يُعَكر عَلَيْهِ مَا أخرجه أَبُو دَاوُد من طَرِيق نَافِع عَن رجل من الْأَنْصَار عَن كَعْب بن عجْرَة أَنه أصَاب أَذَى، فحلق، فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يهدي بقرة. وروى الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عبد الْوَهَّاب بن بخت عَن نَافِع (عَن ابْن عمر، قَالَ: حلق كَعْب بن عجْرَة رَأسه، فَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يفتدي فَافْتدى ببقرة) . وروى عبد بن حميد من طَرِيق أبي معشر عَن نَافِع (عَن ابْن عمر، قَالَ: افتدى كَعْب من أَذَى كَانَ بِرَأْسِهِ، فحلقه ببقرة قلدها وأشعرها) . وروى سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق ابْن أبي ليلى عَن نَافِع عَن سُلَيْمَان بن يسَار، قيل لِابْنِ كَعْب بن عجْرَة: مَا صنع أَبوك حَيْثُ أَصَابَهُ الْأَذَى فِي رَأسه؟ قَالَ: ذبح بقرة. قلت: هَذَا كُله لَا يُسَاوِي مَا ثَبت فِي (الصَّحِيح) من أَن الَّذِي أَمر بِهِ كَعْب وَفعله فِي النّسك إِنَّمَا هُوَ شَاة، وَقد قَالَ شَيخنَا زين الدّين رَحمَه الله: لفظ الْبَقَرَة مُنكر شَاذ، وَقَالَ ابْن حزم: وَخبر كَعْب بن عجْرَة الصَّحِيح فِيمَا رَوَاهُ ابْن أبي ليلى، وَالْبَاقُونَ روايتهم مضطربة موهومة، فَوَجَبَ ترك مَا اضْطربَ فِيهِ وَالرُّجُوع إِلَى رِوَايَة عبد الرَّحْمَن الَّتِي لم تضطرب، وَلَو كَانَ مَا ذكر فِي هَذِه الْأَخْبَار عَن قضايا شَتَّى لوَجَبَ الْأَخْذ بجميعها وَضم بَعْضهَا ءلى بعض، وَلَا يُمكن هُنَا جمعهَا لِأَنَّهَا كلهَا فِي قصَّة وَاحِدَة فِي مقَام وَاحِد فِي رجل وَاحِد فِي وَقت وَاحِد، فَوَجَبَ أَخذ مَا رَوَاهُ أَبُو قلَابَة وَالشعْبِيّ عَن عبد الرَّحْمَن عَن كَعْب، لثقتهما، وَلِأَنَّهَا مبينَة لسَائِر الْأَحَادِيث.

٧١٨١ - حدَّثنا إسْحَاقُ قَالَ حَدثنَا رَوْحٌ قَالَ حدَّثنا شِبْلٌ عنِ ابنِ أبِي نَجِيحٍ عنْ مُجَاهِدٍ قَالَ حدَّثني عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبي لَيْلَى عنْ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رآهُ وأنَّهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ فَقال أيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ قَالَ نَعَمْ فأمَرَهُ أنْ يَحْلِقَ وهْوَ بِالْحُدَيْبِيَّةِ ولَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ أنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا وهُمْ عَلَى طَمَعٍ أنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فأنْزَلَ الله الفِدْيَةَ فأمَرَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يُطْعِمَ فَرَقا بَيْنَ سَتَّةٍ أوْ يُهْدِي شَاةً أوْ يَصُومَ ثلاثَةَ أيَّامٍ..

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَو يهدي شَاة) ، وَإِسْحَاق، قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ ابْن مَنْصُور الكوسج، وَقيل: هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه وروح بن عبَادَة. وشبل، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن عباد الْمَكِّيّ، وَابْن أبي نجيح: هُوَ عبد الله بن أبي نجيح الْمَكِّيّ.

قَوْله: (رَآهُ) أَي: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَعْب بن عجْرَة. قَوْله: (وَأَنه) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الْقمل، والسياق يدل عَلَيْهِ، قَالَه الْكرْمَانِي. وَقَالَ: إِمَّا يرجع إِلَى كَعْب، كَأَن نَفسه تسْقط مُبَالغَة فِي كَثْرَة الْقمل وَكَثْرَة الوجع والأذى، وَبَعْضهمْ جعل الضَّمِير فِي: يسْقط رَاجعا إِلَى الْقمل، وَأَنه مَحْذُوف وأكد كَلَامه بِمَا ثَبت كَذَلِك فِي بعض الرِّوَايَات، يَعْنِي: (وَأَن كَعْبًا يسْقط الْقمل على وَجهه) ، وَله وَجه حسن دلّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة عَن مُحَمَّد بن معمر عَن روح بِلَفْظ: (رَآهُ وقمله يسْقط على وَجهه) ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق أبي حُذَيْفَة عَن شبْل: (رأى قملاً يتساقط على وَجهه) . قَوْله: (يسْقط) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة ابْن السكن وَأبي ذَر: (ليسقط) بِزِيَادَة لَام التَّأْكِيد. قَوْله: (وَلم يتَبَيَّن لَهُم) ، أَي: لم يظْهر لمن كَانُوا فِي الْحُدَيْبِيَة مَعَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بعد فِي ذَلِك الْوَقْت أَنهم يحلونَ بهَا. أَي: بِالْحُدَيْبِية، لأَنهم كَانُوا على طمع أَن يدخلُوا مَكَّة. قيل: هَذِه الزِّيَادَة ذكرهَا الرَّاوِي لبَيَان أَن الْحلق كَانَ لاستباحة مَحْظُور بِسَبَب الْأَذَى لَا لقصد التَّحَلُّل بالحصر. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: فِيهِ دَلِيل أَن من كَانَ على رَجَاء من الْوُصُول إِلَى الْبَيْت أَن عَلَيْهِ أَن يُقيم حَتَّى ييئس من الْوُصُول إِلَيْهِ فَيحل، وَاتَّفَقُوا على أَن من ييئس من الْوُصُول وَجَاز لَهُ أَن يحل فتمادى على إِحْرَامه ثمَّ أمكنه أَن يصل إِن عَلَيْهِ أَن يمْضِي إِلَى الْبَيْت ليتم نُسكه. قَوْله: (فَأنْزل الله الْفِدْيَة) ظَاهره

<<  <  ج: ص:  >  >>