أمِّ المُؤْمِنِينَ أنَّ رسولَ اللَّهِ رَأى فِي جِدَارِ القِبْلَةِ مَخَاطاً أوْ بُصَاقاً أوْ نُخَامَةً فَحَكَّهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّلَاة أَيْضا. وَأخرجه مُسلم. أَيْضا. قَوْله: (أَو بصاقاً أَو نخامة) ، كَذَا هُوَ وَقع فِي (الْمُوَطَّأ) بِالشَّكِّ، وَفِي وَرَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق معن عَن مَالك: (أَو نخاعاً) بدل: (مخاطاً) . وَقد ذكرنَا الْفرق بَين هَذِه الثَّلَاثَة.
٤٣ - (بَاب حَكِّ المُخَاطِ بِالحَصَى مِنَ المَسْجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حك المخاط بالحصى من الْمَسْجِد. فَإِن قلت: ذكر فِي الْبَاب السَّابِق حك البصاق بِالْيَدِ، وَذكر هَهُنَا حك المخاط بالحصى، فَهَل فِيهِ زِيَادَة فَائِدَة؟ قلت: نعم، وَذَلِكَ أَن المخاط غَالِبا يكون لَهُ جرم لزج فَيحْتَاج فِي قلعه إِلَى معالجة وَهِي بالحصى وَنَحْوه، والبصاق لَيْسَ لَهُ ذَلِك فَيمكن نَزعه بِلَا آلَة، اللَّهُمَّ إلَاّ أَن يخالطه بلغم فحينئذٍ يلْحق بالمخاط. فَإِن قلت: الْبَاب مَعْقُود على حك المخاط، والْحَدِيث يدل على حك النخامة. قلت: لما كَانَا فضلتين طاهرتين لم يفرق بَينهمَا إشعاراً بِأَن حكمهمَا وَاحِد، هَذَا الَّذِي ذكره الْكرْمَانِي، وَالْأَوْجه أَن يُقَال: وَإِن كَانَ بَينهمَا فرق، وَهُوَ أَن المخاط يكون من الْأنف والنخامة من الصَّدْر، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن (الْمطَالع) ، لكنه ذكر المخاط فِي التَّرْجَمَة والنخامة فِي الحَدِيث إشعاراً بِأَن بَينهمَا اتحاداً فِي الثخانة واللزوجة، وَأَن حكمهمَا وَاحِد من هَذِه الْحَيْثِيَّة أَيْضا.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي اعَنْهُما إِن وَطِئْتَ عَلَى قَذَرٍ رَطْبٍ فاغْسِلْهُ وإنْ كَانَ يابِساً فَلَا.
قَالَ بَعضهم: مطابقته للتَّرْجَمَة الْإِشَارَة إِلَى أَن الْعلَّة فِي النَّهْي احترام الْقبْلَة لَا مُجَرّد التأذي بالبزاق، فَلهَذَا لم يفرق فِيهِ بَين رطب ويابس، بِخِلَاف مَا عِلّة النَّهْي فِيهِ مُجَرّد الاستقذار فَلَا يضر وَطْء الْيَابِس مِنْهُ. قلت: هَذَا تعسف وبعدٌ عَظِيم، لِأَن قَوْله: الْعلَّة فِي النَّهْي احترام الْقبْلَة لَا مُجَرّد التأذي بالبزاق، غير موجه لِأَن عِلّة النَّهْي فِيهِ احترام الْقبْلَة، وَحُصُول التأذي مِنْهُ كَمَا ذكره فِي حَدِيث أبي سهلة (أَنَّك آذيت اورسوله) : وَحُصُول الْأَذَى فِيهِ هُوَ مَا ذكره فِي الحَدِيث، (فَإِن اقبل وَجهه إِذا صلى) ، وبزاقه إِلَى تِلْكَ الْجِهَة أَذَى كبيرٌ وَهُوَ منباب ذكر اللَّازِم وَإِرَادَة الْمَلْزُوم، وَمَعْنَاهُ: لَا يرضى ابه وَلَا يرضى بِهِ رَسُوله أَيْضا، وتأذيه من ذَلِك هُوَ أَنه نَهَاهُ عَنهُ وَلم ينْتَه، وَفِيه مَا فِيهِ من الْأَذَى، فَعلم من ذَلِك أَن الْعلَّة الْعُظْمَى هِيَ حُصُول الْأَذَى مَعَ ترك احترام الْقبْلَة، وَالْحكم يثبت بعلل شَتَّى. وَقَوله بِخِلَاف مَا عِلّة النَّهْي فِيهِ مُجَرّد الاستقذار، فَلَا يضرّهُ وَطْء الْيَابِس غير صَحِيح، لِأَن عِلّة النَّهْي فِيهِ كَونه نجسا، وَلم تسْقط عَنهُ صفة النَّجَاسَة، غير أَن وَطْء يابسه لَا يضرّهُ لعدم التصاقه بالجسم وَعدم التلوث، لَا لمُجَرّد كَونه يَابسا، حَتَّى لَو صلى على مَكَان عَلَيْهِ نجس يَابِس لَا تجوز صلَاته، وَلَو كَانَ على بدنه أَو ثَوْبه نَجَاسَة يابسة لَا يجوز أَيْضا، فَعلم أَن النَّجَاسَة المائعة تضره مُطلقًا، غير أَنه عفى عَن يابسها فِي الْوَطْء، وَيُمكن أَن يُوَجه لَهُ تناسب بِوَجْهِهِ وَهُوَ أَن يُقَال: الْمَذْكُور فِي حَدِيث الْبَاب حك النخامة بالحصى، وَفِي التَّرْجَمَة حك المخاط بالحصى، وَذَا يدل على أَنه كَانَ يَابسا إِذْ الحك لَا يُفِيد فِي رطبه لِأَنَّهُ ينتشر بِهِ ويزداد التلوث، فَظهر الْفرق بَين رطبه ويابسه وَإِن لم يُصَرح بِهِ فِي ظَاهر الحَدِيث، فَفِي الرطب يزَال بِمَا تمكن إِزَالَته بِهِ، وَفِي الْيَابِس بالحصاة وَنَحْوهَا، فَكَذَلِك فِي أثر ابْن عَبَّاس: الْفرق حَيْثُ قَالَ: إِن كَانَ رطبا فاغسله وَإِن كَانَ يَابسا فَلَا، أَي: فَلَا يَضرك وَطْؤُهُ، فَتكون الْمُنَاسبَة بَينهمَا من هَذِه الْحَيْثِيَّة، وَهَذَا الْقدر كافٍ، لِأَنَّهُ أقناعي غير برهاني، ثمَّ إِن أثر ابْن عَبَّاس ذكره البُخَارِيّ مُعَلّقا، وَوَصله ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح، وَقَالَ فِي آخِره: وَإِن كَانَ يَابسا لم يضرّهُ.
٩٠٤ - ح دّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ قَالَ أخبرنَا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ قَالَ أخبرنَا ابنُ شِهَابٍ عنْ حُمَيْدٍ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنَّ أبَا هُريْرةَ وأَبَا سَعِيدٍ حدَّثاه أنَّ رسولَ اللَّهِ رَأى نُخَامَةً فِي جِدَارِ المَسْجِدِ فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَكَّهَا فقالَ إذَا تَنخَّمَ أحَدُكُمْ فَلَا يَنَنَخَّمَنَّ قبَلَ وَجْهِهِ وَلَا عنْ يَمِينِهِ وَليْبصقْ عنْ يَسَارِهِ أَو تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرَى. (الحَدِيث ٨٠٤ طرفاه فِي: ٠١٤، ٦١٤) (الحَدِيث ٩٠٤ طرفاه فِي: ١١٤، ٤١٤) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute